الفاو

شبه جزيرة الفاو تقع في جنوب محافظة البصرة على مبعدة تصل إلى حوالي 100 كم.. سكنها عراقيون قدم بعضهم من منطقة نجد واستقروا فيها منذ قرون بعيدة. كانت الفاو إبان الحكم العثماني حامية اسقطتها المدافع البريطانية في غزو عام 1914. و الفاو مركز قضاء في محافظة البصرة جنوب العراق تقع في شبه جزيرة الفاو عند مصب شط العرب في الخليج العربي. يعود تاريخ الفاو إلى سنة (2500ق.م) وحسبما تشير اللقى التاريخية إلى إن الملك الآشوري سنحاريب أطلق عليها (ريبو سلامو) أي باب السلامة وأطلق عليها العرب عام 635 ميلادية منطقة ماء الصبر أي المر وسماها الوالي العثماني مدحة باشا مفتاح العراق وقال عنها صلاح الدين الصباغ أحد قادة ثورة أيار عام 1941 أرض السلامة.

وأختلف اللغويون في تفسير معنى الفاو فقد قال ياقوت الحموي أنها الفج الواسع بين جبلين وقيل أنها الفاو المتدلي على الخليج العربي وذهب آخرون إلى أنها مشتقة من الغولاف وهونبات تشتهر بزراعته منطقة الفاو والذي تستخرج من أزهاره صبغة حمراء استعملت في طلاء شناشيل البصرة، وتشير المصادر التاريخية ألى أن الفاو اكتسبت اسمها من سفينة تحطمت فوق الصخور الكامنة تحت الماء كانت تدعى الفاو. وأوضحت مصادر تأريخية إلى ان الفاو شهدت محاولة من قبل العيلاميين لاحتلالها في العصور القديمة ولكنهم فشلوا في ذلك بعد أن خسروا المعركة التي دارت بالقرب من نهر الكرخ أمام الجيش الآشوري القادم من العراق وقتل قائد العيلاميين وخلفت هذه المعركة نقوشاً وكتابات ما زالت محفورة على الواح من المرمر تحذر أهل عيلام من معاودة التحرش بالعراق وتبدأ بعبارة (من هنا مر ملك العراق العظيم) وفي التاريخ تنازع على الفاو البرتغاليون والعثمانيون والإنجليز الذين أحتلوها سنة 1914 فيما أحتلتها أيران في شهر شباط عام 1986 وتم تحريرها خلال شهر نيسان عام 1988 على يد القوات العراقية آنذاك، لتبقى الفاو مدينة عراقية تحكي للتأريخ قصص نضال العراقيين ضد المحتلين الاجانب وتتميز مدينة الفاو بكثرة جداولها وأنهارها ويذكر المؤرخون أن عددها (172) وتتوزع بين المناطق والمقاطعات مثل كوت بندر وكوت عباس الذي تضم ثمانية أنهر و(18) نهراً في كوت الخليفة منها نهر حلاوي وطوق الأغوات ونهر باب الهواء و(17) نهراً في الفداغية منها نهرالدوار وابن عيد والخاجية وبركة والحنشنام أما في الدورة فهناك (40) نهراً منها نهر بيت خليفة وحسن صبغ وحالوب وابن والي ونهر تينه وفي منطقة المعامر (37) نهراً، وأخيراً فأن منطقة الفاو تحتوي على (52) نهراً منها العبادي وسنافي ومناع وبيت مشكور وخنيز، وكانت الفاو مشهورة بالنخيل وتنتج أكثر من (42) صنفا من اجود أنواع التمور ومنها اسطة عمران وأشقر واصابع العروس وام الدهن والبرحي وبنت السوده والبريم وبنت السبع وبنت الصفراء والزهدي وخضراوي ومكتوم احمر وقنطار وجبجاب وحمراوي وأنواع أخرى، أصبحت الفاو ميناء العراق الرئيس عام 1923 وكان يؤمه عدد من البواخر والسفن الشراعية وناقلات النفط الخام المصدر إلى خارج العراق، واستمر هذا النشاط حتى العام 1931 عندما قام الملك فيصل الأول بأفتتاح ميناء المعقل عندما جاء بقطار خاص وبصحبته رئيس الوزراء ورئيسا مجلسي الأعيان والنواب.

كانت الفاو بسبب موقعها الاستراتيجي مسرحاً للعديد من العمليات العسكرية فاولها في الحرب العالمية الأولى حيث حدثت في الفاو أول معركة بين القبائل العراقية والاحتلال البريطاني للعراق عام 1914 في منطقة كوت الزين بقيادة الشهيد الشيخ شلال الفضل الوائلي رئيس عشائر الشرش الذي استشهد في كوت الزين. وخزعل الكعبي رئيس عشائر بني كعب ,وتكبد فيها الاحتلال خسائر جسيمة. و خلال الحرب العراقية الإيرانية وخلال حرب الخليج الثانية. تشتهر الفاو بزراعة النخيل والحناء ونظرا لطبيعة ارضها فهي تنتج الملح. احتلت الفاو من قبل إيران عام 1986 وتم تحريرها عام 1988 حيث اعيد بناؤها وعاد اهلها المهجرون بعد ذلك في عام 1989

شبه جزيرة الفاو

كانت في الفاو شركة نفط البصرة المحدودة التي اممت وأصبحت تعرف بشركة النفط الوطنية العراقية حتى أصبح اسمها فيما بعد شركة نفط الجنوب في الفاو موانئ عديدة هي:

ميناء الفاو الكبير: الذي من المؤمل ان يصبح من أكبر الموانيء في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط وسيحول الفاو إلى مدينة عالمية تجارية اقتصادية ضخمة. وقد تم الاتفاق المبدئي في شهر سبتمبر 2009 مع شركات إيطاليه حول بناء المشروع وفي حين المصادقه على تلك الشركات سوف تباشر العمل في المشروع قريبا...:ومن مصدر اخر : بحث نائب رئيس الوزراء رافع العيساوي في مكتبه ببغداد، السبت، مع السفير الإيطالي لدى العراق الخطط والبرامج التي تقدمت بها الشركات الاستثمارية الإيطالية لإعادة تأهيل وبناء ميناء الفاو الكبير. جاء ذلك خلال استقبال نائب رئيس الوزراء للسفير الإيطالي المعتمد في العراق ماوريزو ميلاني، بحسب بيان صدر عن مكتب العيساوي تلقت وكالة (اصوات العراق) نسخة منه. وجرى خلال اللقاء، بحسب البيان أيضا، “بحث العروض الموضوعة لبناء واعادة تشغيل عدة مصانع تكميلة في ميناء الفاو الكبير تسهم في تمتين الاقتصاد العراقي وتوفير عدة آلاف من فرص العمل للشباب” حيث سيبلغ عدد العاملين في بناء المينا 300الف فرصة عمل.مع العلم ان هذا المشروع الهائل محارب من قبل الدول التي سوف لن تستفيد من اقامة مثل هذا المشروع مثل الكويت والإمارات وإيران ومصر وحتى جنوب أفريقيا

من مدارس الفاو القديمة

مدرسة الخليج العربي

مدرسة المهلب بن أبي صفرة

مدرسة الفاو الابتدائية للبنين

مدرسة التهذيب

مدرسة موسى بن نصير

مدرسة سارة للبنات في الكمب

مدرسة متوسطة جنين

ثانوية الفاو للبنات وأخرى للبنين

ومن أشهر الفرق الرياضية فيها

فريق الجنوب لكرة القدم

فريق الأنوار لكرة القدم

فريق الفتيان لكرة القدم

فريق الفاو لكرة القدم

ان الميناء سوق يقع في منطقة تسمى راس البيشة وهي من أقصى جنوب الفاو المطل على البحر

الفاو أرض النقيضين

الخصب والملح

إن تبحث عن العوالم السحرية وصور حياة لم تعشها لكنك قد تكون سمعت عنها في الحكايات والأساطير التي تحتفظ بها ذاكرة المدن العراقية ، ما عليك إلا أن تتصفح أوراق الفاو القديمة ، تلك الأوراق التي لم تقرأ فصولها بعد ففيها من الفانتازيا ما لم يحمله كتاب ، صحيح أن وجهها قد تغيّر كثيراً إلا أن حكاياتها ما زالت مُخبّأة في صدور شيوخها وعجائزها .. كانت الفاو في أواخر القرن التاسع عشر عبارة عن بستان كبير سكنه أفراد يطلق عليهم اسم ( النياندة ) أي النجديون ، وهم قوم اشتغلوا في التجارة ووجدوا في الفاو محطة لهم لهم في تنقلاتهم ففتحوا فيها شارعاً تضيؤه الفوانيس المعلّقة على أعمدة ( الجندل ) . في وحشة ذلك المكان المكتظ بالزرع بدأت المدينة تلتقط أول انفاسها ولأنها منطقة بعيدة فقد أصبحت فيما بعد منفى ومعتقلاً لفئات سياسية مختلفة في العهدين العثماني والملكي مثلما هو الحال ومنطقة السلمان في أطراف السماوة .

طوب الفاو العثماني والبارجة الأنكليزية

بعدما انقضى العقد الأول من القرن الماضي ، وحينما بدأت دولة الرجل المريض ( العثمانية ) تفقد معظم أراضيها وممتلكاتها ، بدأت نوايا بريطانيا في احتلال العراق ، وازدادت الأطماع في ذلك الكنز العظيم ، موقع جغرافي متميز ، أراض خصبة ، وسوق كبيرة يمكن أن يمتص ما ينتجه الغرب بعد الثورة الصناعية الكبرى . وسرعان ما جاء عام 1914 حتى دخلت الخليج العربي قوات إنكليزية كاسحة ، لم يكن في حامية الفاو آنذاك غير قلعة يتحصّن فيها ( طوب ) عثماني ( الطوب : المدفع ) ما كان ليستطيع مقاومة القوة الهائلة التي قذفت بها أمواج الخليج المتلاطمة وصخب جنود ( الكركة ) المنتزعين من وطنهم وهم اناس هنود استقدمتهم قوات الاحتلال من الهند ( وهي مستعمرتهم ) بحجة تشغيلهم بعد إن دبّ هناك الفقر والجوع ، لكنهم اكتشفوا بعد حين ما هم إلا وقوداً لحربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل ! هذا المشهد الذي ذكرت بعض فصوله كتب التاريخ بينما احتفظت بجزئه المطوّل ذاكرة المدينة عاد مجدداً في الربع الأول من القرن الذي تلا الاحتلال الأول ، وكأن التاريخ يعيد دورته بذات الوجوه وبأساليب أخرى ، والفاو التي لم تر طائرة إلا طائرة شركة الـ ( بي بي سي ) في مطارها القديم في ستينيات القرن الماضي ، رات هذه المرة عشرات الطائرات الهليوكوبتر وهي تحط على جسدها النازف مثل تلك التي رأتها في أيام حرب الثمانينيات . أيام قلائل من شتاء عام 1914 وتصبح الفاو أول مدينة عراقية تحتلها قوات الأنكليز لتكون مثابة الأنطلاق حيث مدن العراق الأخرى ، وطويت صفحة العثمانيين إلى الأبد لتبدأ الفاو حياة أخرى .

آراء ومسمّيات أحياناً

يحلو للمرء أن يعرف سبب التسميات ، وهو أيضاً فضول يبعث المتعة في اكتشاف شيء ناهيك عن الفائدة . لكل شيء أسم ، ولكل اسم معنى ، والمعنى أن يدلّك هذا الاسم على ماهيته .. وكثير من الأسماء أطلقت لأسباب ، والأسباب مختلفة .. وقد تختلف الآراء في هذا الاسم أو ذاك ، وكذا الحال بالنسبة لتسمية الفاو بالأسم هذا .. وما نذكره هنا لا يعدو كونه مجرد آراء وتخمينات استللناها من ذاكرة الذين عاشوا أيام مدينتهم القديمة . هناك من يقول ، أنه اسم باخرة أجنبية جنحت عند مشارفها في الخليج العربي ، كان اسم السفينة ( فاو ) وأخذت منها هذه التسمية بحيث اصبح العامة يطلقون على تلك الأراضي المشجرة ( فاو ) . وهناك رأي آخر يذكره البعض ، وهو رأي لا غير ، في إن بحارة إسبان وصلوا إلى شمال الخليج العربي بعد أيام مجهدة وأجواء عاصفة حيث كان الخليج يومذاك عنيفاً ، مزمجراً .. كان البحارة يتوقون شوقاً لرؤية اليابسة وإذا بأحدهم يصرخ وهو يشير إلى الفسحة الممتدة أمامه والتي تبدو اليابسة في نهايتها مثل نقطة صغيرة سوداء .. صاح : ( فاو .. فاو ) وهو يعني الخبز ، أو الأرض . ولكن هناك رأي ثالث يقول : أنها سمّيت بذلك نسبة إلى ( الفيء ) – الظلال – وهي حقاً أرض تظللها الأشجار من شتى الأنواع .. وتحولت فيما بعد مفردة ( فيء ) إلى ( فاو ) ، حيث اعتادت الذاكرة الجمعية الشعبية أن تنحت مفرداتها بما هو أسهل وأيسر . وقضاء الفاو ( سابقاً ) يضم ناحيتين : الأولى في الجنوب وتسمى ناحية الخليج أو كما يسمّيها الأهالي هناك : ( الفاو الجنوبي ) .. والثانية هي ناحية البحار في شمال الفاو أو ( الفاو الشمالي ) إضافة إلى مركز القضاء الذي يضم عدة مناطق مثل : ( السوق ، الميناء ، التميمية ، الكمالية ، حي عدن ، 14 تموز ، الجبيلة ، بن ضبط ، الهاتف ) . أرض الفاو مقسّمة إلى عدة أحواز بما فيها الفاو الشمالي والجنوبي . والحوز ( من حاز : يحوز : أي امتلك الشيء ) هو قطعة الأرض المحصورة بين نهرين ، إذ تكثر في الفاو القديمة الأنهار .. وتسمّى تلك الأرض ( الحوز ) طبقاً لعدة اعتبارات ، كأن تسمّى باسم مالك الأرض مثل ( حوز عيسى عبد العزيز – في أقصى الجنوب ) أو ( حوز بن ضبط – في مركز المدينة / منسوب إلى محمد بن ضبط وهو أول من سكن تلك المنطقة ) أو يسمى الحوز طبقاً لرقعته الجغرافية ومساحته مثل : ( حوز الميناء – نسبة إلى ميناء الفاو ) أو ( حوز السوق – نسبة إلى سوق الفاو الكبير ) وهناك أيضاً حوز ( المعتقل ) نسبة إلى المكان الذي كان يُعتقل وينفى فيه الوطنيون في العهد الملكي – وسمّي بعد ثورة تموز 1958 بأسم ( 14 تموز ) . والفاو ميناء كبير ، كان فيما مضى يستقبل البواخر العملاقة من كل حدب وصوب وينتصب في الخليج العربي وعلى مبعدة (80) ميل بحري ميناء خور العميّة وميناء البكر ( سابقاً ) والذي كان فيما مضى محطة انتظار البواخر قبل تحميلها بالنفط . ازدادت في السنوات الأخيرة سفن الصيد الصغيرة حتى بلغ عددها أكثر من ستة آلآف والعدد هذا يزداد يوماً بعد آخر حيث ترسو تلك السفن في شط العرب قبالة الساحل الإيراني ويسمّى المكان بـ ( النقعة ) . وهو مرفأ زوارق الصيد .

بقايا الفاو القديمة

لم يبقَ من الفاو القديمة سوى بعض الشواهد التي تحكي قصص أبنائها ، فأن عملية اعادة البناء للمدينة ما أضرّت إلا أولئك الباحثين عن ذكرياتهم وطفولتهم ، فكل شيء جميل داسته بساطيل الجنود وحرقته نار الحرب .. حين عدنا إلى مدينتنا – بعد الحرب – لم نستطع تحديد اتجاهات بيوتنا ، لكننا استعنّا بتلك الشواهد التي بقيت أثراً : ( هذا ما حدّثنا به الناس الذين عادوا إلى مدينتهم واستطرد آخر يقول ) : تعال أدلّك على ما بقي من المدينة ، هنا ينتصب جامع السوق الكبير ، ما زال كما كان ، شامخاً ، منتصباً ، تحمل منارته العالية ثقوب شظايا الحرب وكتابات أعجمية شوّهت جدرانه الداخلية .. وهناك أيضاً ملعب الفاو ، بمدرجاته التي ما زالت تحمل صخب مجاميع التلاميذ وهم يحضرون كرنفال المدارس الأبتدائية ( الأستعراض التمهيدي والأستعراض الكبير ). وهناك ( كازينو الفاو ) العائم الذي يطفو فوق صفحة الماء لكنه الآن التصق بالطين وابتعد عنه الشط ، ومن الكازينو تستطيع أن تشاهد أشجار الحديقة ( حديقة الخليج ) التي كانت مكاناً ترفيهياً لشباب الفاو وهناك أيضاً سدرة بيت الحاج أحمد القصاب في منطقة الجبيلة والتي يعرفها الجميع ، باقية للآن . كل الأنهار طمرت ، نهر الجبيلة ، نهر حوز الميناء ، وتفرعات أخرى استعيض عنها ببحيرة خاملة ترقد الآن ميتة قرب ساحة الأحتفالات . وهناك أيضاً محطة الوقود ( البانزينخانه ) لم يبقَ منها سوى صهريج صدئ وقد ثقبّه الرصاص . الشارع الوحيد الذي بقي من الفاو القديمة هو شارع الفاو الجنوبي الذي يقودك إلى المملحة .. وقلّما تجد أرضاً تنتج أملاحاً مثل أرض الفاو .. أرض تحمل النقيضين الخصب والملح ! .. كان يومذاك ، عربات الحمير ، تحمل من تلك البلورات المتلاصفة في ضوء الشمس وتنقلها إلى مركز المدينة ، ملح وهبه الخالق للإنسان .. وكانت كثبان الملح تملأ مساحات واسعة في غرب المدينة . في الجنوب ، ثمة بيوتات من الطين والقصب ، ما زالت تحتفظ بوجه المدينة القديم بيوتات منفردة تتوزع في مساحات تغطّيها الحلفاء وتزورها بين حين وآخر قطعان الخنازير .. والخنزير موجود في جنوب الفاو منذ القدم ، يعيش في أحراش الجنوب وحلفائها ، وكان الأنكليز العاملون في شركة الـ ( بي بي سي ) يصطادونه في أيام احتفالاتهم .. ولم يغادر الفاو للآن رغم انفلاق مئات الألوف من القذائف والصواريخ ، كبيرها وصغيرها .. لم تمت الفاو القديمة ، هي صورة نقية وجميلة باقية في ذاكرة أهلها .

مدارس الفاو القديمة

أغلب أبناء الفاو تلقوا تعليمهم في مدرستها المركزية : ( مدرسة الفاو الأبتدائية للبنين ) وهناك مدرسة أخرى للبنات بنفس الاسم .. أسستا بعد انجلاء عصر الكتاتيب والملاّ .. كان مدير الفاو أولاً الأستاذ ( حميد ) – رحمه الله – ثم جاء بعده الأستاذ طعمه سعدون ، مربٍّ فاضل ، يعرفه الفاويون ؛ متعلّمهم وأمّيهم .. التقيته قبل سنوات ، بعدما شُرّد الأهل ، كيف تسنّى لهذا الرجل الكبير أن يتذكّر طالباً صغيراً ؟! معلمو الأمس يعرفون تلاميذهم مثلما يعرفون أبناءهم .. وهم فعلاً أبناؤهم .. ولأن الفاو صغيرة فأن مدراسها تشكّل وحدة مكملة ومتجانسة معها .. فالمؤسسة التعليمية والتربوية تكمّل ما تقدّمه العوائل لأبنائها .. لهذا فأن المعلمين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع والمعلم يقف في قمّة الهرم الاجتماعي ، فهو المعلم والمربي ، ولن تجد تلميذاً يرى معلمه في شارع دون أن يهرب عن أنظاره . ومن مدارس الفاو أيضاً مدرسة التهذيب وحضرموت ومدارس اخرى ظهرت في السبعينيات مثل ( الأحواز وجنين – وهي متوسطة كان يدرّس فيها الفنان المبدع جابر ميرزا ) . وهناك أيضاً مدرسة الدورة في ناحية البحار ومدرسة الفاو الجنوبي .. مدارس علّمت الكثيرين أبجدية الحياة .

لهجة أهل الفاو

مثلما لكل مدينة عراقية لهجتها التي تمتاز بها ، فأن الفاو تميزت بلهجة اخترقتها بعض المفردات الواردة من دول مجاورة بحكم موقعها الجغرافي – الحدودي – الملاصق للخليج وإيران .. فالفاويون يتلهجون بالخليجية وإذا استعرضنا المفردات ستجد التشابه الكبير مع كثير من مفردات أهل الكويت وساحل الجزيرة العربية . وقد لا تستطيع فك طلاسم اللهجة إذا التقيت بفاوي من الطراز الأول وهو يقول لك ( أصطبي نِجّونه هَسِتْ مامِنْ ! ) .. وترجمتها الحرفية : ( أنظر قليلاً ولا أرى شيئاً !! ) . وكذلك الحال مع مفردات أخرى ، فهم مثلاً لا يطلقون على الكبير ( الجد ) أو ( الجدة ) هذه التسمية أنما يطلقون عليهما ( بابا العود ) و( ماما العودة ) والعود بمعنى الكبير . لابد لنا أن نذكر بعض المفردات المتداولة وقد جاء ذكرها من غير تعيين مع مراعاة أن الفاويين في لهجتهم يقلبون حرف ( الجيم ) إلى ( ياء ) و( العين ) إلى ( غين ) مع ورود الكاف والجيم الأعجمية .

البستان الكبير : إمْحَوله

البستان الصغير : بُكشه ( الكاف أعجمية )

الكرسي : سكملي

ابرة الخياطة : ميبر

الضباب : امريخان

الدراجة : سيكل

الدراجة البخارية : ماطور سيكل

ضفة النهر : جِتِف ، راك ( الكاف أعجمية )

الصغار : يهال ( جهال)

السائق : دريول

البيضة : دحروية ( ونعتقد من الدحرجة )

نافذة علوية في الغرفة : دريشة

شق في الجدار غير نافذ : روشنه

السلّم : دري ( درج )

القنينة الزجاجية الصغيرة : قرشة

الولد الذي يلعب مع البنات : زنانه

الفرع الصغير من النهر : شاخه

راس البيشة وعلم عبيّس المثلث الأرضي

المتوّج بالماء ، ذو المنقار الطيني الذي يغوص بزرقة الخليج ، يشبه إلى حد ما رأس بطة ، هو رأس البيشة ( البيشة : البشّة في لهجة أهل الفاو : البط ) هناك شيّد الفاويون فنارهم ، من حكاية يعرفها الجميع ، وتوارثها الأبناء عن الآباء حين قادت الأقدار الصياد ( عباس ) وولده الصغير إلى لجّة البحر وهما في زورقهما الصغير ، انطبق البحر عليهما في شتاء بارد ، حاول الأب ( عباس ) أن ينقذ ولده فاستطاع لكنه لم يستطع أن يتجنّب الكارثة فابتلعه الخليج وصار المكان الذي غرق فيه يُعرف باسم ( علم عبيّس ) و( عبيّس ) هو تصغير وتحبيب للأسم ( عباس ) .. ومنذ ذلك الحين راح الناس يزورون المكان فاشتهر بهذا الاسم حتى الوقت الذي شيّدت فيه إدارة الموانئ فنار رأس البيشة الذي يهدي السفن إلى مرفأ آمن .

كدو الفاو

إن لم تزر الفاو من قبل وزرتها الآن ستجد بقايا ذلك التاريخ الموغل في البعيد ، في المقهى الشعبي تجد الشيوخ يدخّنون ( الكدو ) وهو أشبه بالنارجيلة المعروفة في مدن العراق الأخرى لكنه يختلف عنها ببعض مكوناته : فالـ ( شيشة ) مصنوعة من الفخار يخترقها ثقب توضع فيه عصا بدلاً من المبسم ( القامجي ) .. والكدو معروف لدى أغلب دول الخليج وإيران واستخدمه الفاويون في رحلات الصيد والغوص حين كانوا يغيبون عن المدينة اسابيع . لا تستطيع أن تستخدم ( الكدو ) إلا جالساً على الأرض ، لهذا فأن مقهى الفاو الوحيد يفترش الأرض عدا مصطبة واحدة أعدّت للزائرين . حدّثنا ( أبو حسن ) وهو صاحب المقهى الشعبي قائلاً : ( هنا ، في الفاو ، لا يجلس في المقهى إلا الكبار من الرجال أما الشباب فمن العيب أن يرتادوها .. ليس مثل باقي المدن ، فالفاو احتفظت بهذا التقليد .. أما عن التبغ المستخدم في الكدو فهو ذات التبغ الذي يستخدم في تدخين النارجيلة .

مكيد الفاو

المكيد هو المكان الذي تعقد فيه الجلسات الخاصة بـ( الزيران ) وهذه جلسات يتم فيها استنطاق الجن الذي يتخذ من الجسد البشري سكناً له ووعاءً ومن ثم ترويضه كي لا يؤذي صاحب ذلك الجسد ! .. وقد عرفت الفاو حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي تلك الطقوس التي تصاحبها التراتيل الخاصة والدفوف والمراويس وتذبح خلالها الأضحية ( القرابين ) وتقدم الهدايا للمتسلطين على البشر من أقوام الجن .. وصاحب المكيد أو صاحبته هو الذي يسكنهُ جنّي متنفّذ ، كأن يكون شيخاً أو سيّداً لقومه ، ويسمى ذلك الرجل ( البابا ) بينما تسمى المرأة ( الماما ) . وهناك في الفاو عدد منها وقد يكون مكيد ( أم سعيّد ) و( أم خميّس ) الأشهر بينها في الفاو الجنوبي ، عالم فنتازي ساحر في كل شيء ، وهو مكان روحاني اكثر من كونه عيادة خاصة !! .. هناك لا يسمح للأطفال بالحضور أو المشاهدة أو حتى التقرّب من حرمه .. غرفة كبيرة مثل تلك التي يسمّيها أهل الفاو ( الديوانيّة ) ، لا تغادرها رائحة البخور طيلة ايام الإسبوع ، لكنها تشتد كثافة في مساءات الخميس حتى فجر اليوم التالي حيث يردد فضاء جنوب الفاو صدى النوبان والسامري والسادة .. اصوات مختلفة لدفوف وطبول ومراويس وغناء مبحوح يخترق البيوت القصب والبيوت الطين ! . حكاية الجن هذه ( مثلما وجدت في أوراق الفاو ) ليست من نسج خيال أنما هو واقع لم توقفه الحرب تلك التي لم تترك مكيد أ سعيّد وأم خميّس إلا أطلالاً وخرائب لكنك الآن قد تجد شجرة السدر في مكانها ، شاخت ولم تمت ، تطلّ بأغصانها حيث الزمان البعيد . وعادة ، كان أهل الفاو فيما مضى ينسبون كل الأمراض التي تلحق بهم إلى ( الضر ) ويسمّون الشخص المصاب بـ ( المضرور ) أي الذي أصابه الضرّ بفعل الجن وعلاجه يكون عند ( الماما ) حيث تعقد له جلسة ( زيران ) خاصة حيث ينزل فيها الجن ( حسب مسمّيات المكيد ) وتخور قوى الشخص ( المضرور ) ويغيب عن الوعي بفعل الطقوس ويبدأ الجنّي يتمثّل بحركات ( إيماءات ) أو كلام مبحوح من الصعب سماعه ! .. في تلك اللحظة تبدأ ( الماما ) في الحديث معه ( مع الجنّي ) ويجيبها بحشرجة واضحة طالباً ما يريد .. وكثير من ( عجائز ) الفاو يحتفظن بلعب أطفال في خزاناتهن لتعرف أن الجن الذي يسكنهن طفلاً !! . وهناك أجناس كثيرة ، منها المسلم والكافر ، والبحري والناري والهوائي ، وقد يفتك الجن في أحيان كثيرة بصاحبه . وطقوس ( الزيران ) هذه ليست غريبة على منطقة الخليج العربي وقد تنفرد الفاو بها ولكن يوجد في مناطق البصرة القديمة والزبير بعض منها .

رئة العراق

تنتظر والآن ، وبعد هذه الجولة القصيرة في ذاكرة الفاو هل تعود هذه المدينة كمدينة سياحية وميناء كبير إلى سابق عهدها ، يتساءل الكثير من أهل الفاو وفي صدورهم غصّة بعدما عانوا كثيراً من حملات التهجير القسرية ويأملون أن تلتفت الدولة الجديدة إلى تلك المنطقة الحيوية باعتبارها رئة العراق وتقوم بتشييد الفنادق السياحية الحديثة فيها خاصة وإنها تخلو من تلك الخدمات المهمة باعتبارها ستكون في يوم ما مدينة سياحية كما يريد ذلك أهلها . ولتوثيق ذاكرة مدننا ، لا بد من تشييد متحف التراث الذي سيكون شاهداً على زمن مضى وهو يحمل جمالية الفعل الإنساني وقواه .. ولكي يتم التواصل بين أجيال المدينة الواحدة ، وعلينا إن نُري العالم أصالتنا .. والفاو واحدة من المدن العراقية التي تنتظر وتنتظر .. ولا ننسى الاهتمام بالزراعة وإنتاج الملح وتصديره خاصة وأن الكثيرين من خريجي كليات الزراعة في العراق ينتظرون دورهم في بناء وطنهم . الفاو لؤلؤة الخليج ، تفتح أذرعها للمخلصين ، والعائدين من أبنائها بعد سنوات غيبة وتعيد ترتيب ذاكرتها وبيتها .

في الفاو موانئ عديدة هي

ميناء البصرة الكبير:الذي من المؤمل ان يصبح من أكبر الموانيء في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط وسيحول الفاو إلى مدينة عالمية تجارية اقتصادية ضخمة.

ميناء الفاو

ميناء المعامر

ميناء خور العمية

ميناء البكر (غير اسمه بعد عام 2003 إلى اسم ميناء البصرة النفطي)

المصدر

مواضيع ذات صلة