الصحاري
تشغل الصحاري بكافة أنواعها (الباردة، والمعتدلة، والحارة) نحو 45.5 مليون كم2، وتمتد في نصف الكرة الشمالي ما بين دائرتي عرض 22 ْ ـ 48 ْ شمالاً في قارة آسيا، وتكاد تكون نطاقاً عرضياً، يمتد من الغرب إلى الشرق لمسافة تصل إلى 11 ألف كيلومتر ما بين أفريقيا وآسيا. وتمتد صحاري قارة أمريكا الشمالية بين دائرتي عرض 22 ْ ـ 44 ْ شمالاً. وتتمثل الصحاري في نصف الكرة الجنوبي في أمريكا الجنوبية (ما بين دائرتي عرض 5 ْ ـ 30 ْ جنوباً)، وأفريقيا (6 ْ ـ 33 ْ جنوباً)، واستراليا (20 ْ ـ 34 ْ جنوباً).
وتتباين المساحات الصحراوية من قارة إلى أخرى، تتصدرها قارة استراليا ، إذ تمثل الصحاري بها نحو 49% من إجمالي مساحتها، وتتذيلها قارة أوروبا، إذ لا تشغل الصحاري بها إلاّ نحو 1% فقط من مساحتها، وكذلك تتفاوت أقطار العالم من حيث المساحات التي تشغلها الصحاري، فعلى سبيل تمثل الصحاري 98% من مساحة ليبيا، و96% من مساحة مصر، و95% من مساحة شبه الجزيرة العربية، و88% من مساحة باكستان، و11% من مساحة الهند.
تنقسم الصحاري بصفة عامة إلى ثلاثة أنواع
الصحاري الجليدية
ويقصد بها الصحاري المغطاة بالجليد طوال السنة، ونادراً ما يحدث له ذوبان، إذ لا ينحسر إلا عن 1 % فقط من مساحتها الإجمالية، ومن ثم فهي تعرف بالصحاري البيضاء أو القطبية أو الثلجية Ice of White Deserts، وتتركز هذه الصحاري في قارة انتاركتيكا، وشبه جزيرة ألاسكا، وجزيرة جرينلند، وشمالي أوراسيا. وأقل درجة حرارة سجلت في تلك الصحاري، يوم 20 أغسطس 1960 في فوستوك Vostok، إذ بلغت 88.3 درجة مئوية تحت الصفر.
الصحاري المعتدلة
وتظهر في الأجزاء الداخلية من القارات في نطاق العروض الوسطى في كل من أوروبا، وآسيا، وأمريكا الشمالية، ويتميز مناخها بالبرودة الشتوية الشديدة، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وأمطارها القليلة، التي لا تزيد عن عشر بوصات سنوياً، ومعظمها أمطار صيفية، ويعزى جفاف تلك الصحاري إلى بعدها عن المسطحات المائية، وبالتالي تصل الرياح إليها جافة، بعد أن تكون قد تخلصت مما كانت تحمله على هيئة أمطار.
الصحاري الحارة
وتوجد حول دائرتي العرض 20 ْ ، 25 ْ شمالاً وجنوباً، تمثِّلها الصحراء العظمى الأسترالية والصحراء العظمى الأسترالية، وتتميز هذه الصحاري بأنها أكثر جهات العالم جفافاً وذلك لوقوعها في نطاق الضغط المرتفع المداري، وعدم تأثرها بأعاصير العروض المعتدلة.
يمكن إيجاز أسباب الجفاف العامة فيما يلي
البعد عن المؤثرات البحرية
وهو يعد من الأسباب الرئيسية للجفاف في كثير من أقاليم العالم، لذا تتسم الأجزاء الداخلية من القارات بالجفاف، ويزيد من هذا التأثير اتجاه الرياح السائدة، حيث تمتد الصحاري على السواحل الغربية حينما تهب الرياح الشرقية، وتمتد في الأجزاء الشرقية حينما تهب الرياح من المناطق الغربية، وتجدر الإشارة إلى أن هناك فرقاً بين البعد عن المسطحات البحرية والبعد عن المؤثرات البحرية، ولا يعني البعد عن المؤثرات الأخيرة البعد عن البحار، إذ توجد صحاري ساحلية كما هو الحال في صحراء ناميب وأتكاما.
الوقوع في منطقة ظل المطر
وتعني وجود سلاسل جبلية، تعترض اتجاه الرياح، فيؤدي ذلك إلى تساقط ما بها من رطوبة على هيئة أمطار، وحينما تعبر تلك الرياح السلاسل الجبلية، تكون قد تخلصت مما بها من بخار ماء، ومن ثم تصل جافة إلى المناطق المظاهرة لاتجاهها، ومن أمثلتها:
أ-الصحراء المعتدلة في إقليم بتاجونيا، حيث يسود الجفاف، نتيجة وجود جبال الأنديز (أمريكا الجنوبية).
ب-صحراء جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة لاعتراض جبال سييرانيفادا للرياح الغربية.
ج-صحراء وسط استراليا، حيث تعمل المرتفعات الشرقية على اعتراض الرياح الجنوبية الشرقية.
التيارات البحرية الباردة
وهي تساعد على جفاف المناطق الساحلية، ويعزى ذلك إلى أن الرياح، التي تهب من البحار في تلك المناطق، تتميز بقدرتها على امتصاص بخار الماء، لأنها تبرد نتيجة مرورها فوق التيارات الباردة وتتجه صوب اليابس الأدفأ منها. ونادراً ما تسقط أمطاراً، إذ أن شدة الحرارة تعمل على تبخر ذرات الماء ولا تكون هناك فرصة لتكثيفه.
أثر الإنسان والحيوان
يمكن تعليل حدوث الجفاف بالرجوع إلى الإنسان، وذلك نتيجة لإزالته الغابات والنباتات الطبيعية، مما يؤدي إلى قلة النتح، وبالتالي قلة الرطوبة في الجو، وينجم عن ذلك ازدياد البخر لمياه المطر، إضافة إلى أن الغطاء النباتي يحمي التربة من الانجراف والتعرية من جهة، ومن جهة أخرى يؤدي الرعي الجائر إلى إزالة الغطاء النباتي وتعرية التربة.
وعلى الرغم من انتشار الصحاري في جميع قارات العالم، ولو بتفاوت، إلاّ أن وجودها ارتبط عموماً بصحاري الأمريكتين واستراليا، علاوة على صحاري الشرق الأوسط والعالم العربي. ويوضح العرض التالي دراسة تفصيلية للصحاري العربية، من حيث الموقع، وأشكال السطح، والظروف المناخية، والجهود العربية لمواجهة التصحر، وتنمية الصحاري بهدف إيضاح أبعاده الجغرافية.
الصحاري العربية
يشغل الوطن العربي حوالي 3.14 مليون كيلومتر مربع، ومعنى ذلك أن الوطن العربي يشغل نحو عُشر مساحة يابس الكرة الأرضية. وتشكل المساحة المأهولة، التي يتم استزراعها نحو 12% من جملة مساحة الوطن العربي، بينما تمثل المساحة الباقية 88 % النطاق الصحراوي في العالم العربي، الذي يمتد بين خطى عرض 15 ْ، 30 ْ درجة شمال خط الاستواء، ويتوسطها بذلك مدار السرطان.
أشكال السطح
تنقسم أشكال السطح في الصحاري العربية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: الهضاب ، والجبال، والسهول. والجزء التالي يتناول مصطلح الهضاب بشيء من التفصيل، مع الإشارة السريعة للمصطلحين الثانيين على النحو التالي:
أ- الهضاب
تتوزع الهضاب العربية جغرافياً على قارتين أفريقيا وأسيا، وتعد أهم الظاهرات الجغرافية الطبيعية في العالم العربي. فهضبة شبه الجزيرة العربية تشغل الجزء الأكبر من الجناح الشرقي للعالم العربي في قارة آسيا، حيث تمتد من الحدود الشمالية للعالم العربي، عند مرتفعات طوروس إلى بحر العرب في الجنوب. ومن مرتفعات البحر الأحمر في الغرب إلى ساحل الخليج العربي ومرتفعات عُمان في الشرق.
ومن الملاحظ أن سطح هضبة شبه الجزيرة العربية ينحدر تدريجياً من الجنوب والغرب صوب الشمال والشمال الشرقي، ويبلغ أقصى ارتفاع للهضبة في منطقة الجنوب الغربي في دولـة اليمن، فالهضبة ترتفع بشكل فجائي من ساحل البحر الأحمر إلى منسوب يراوح من 4000 ـ 8000 قدم.
وتنقسم هضبة شبه الجزيرة العربية، نظراً لاتساعها، إلى عدة هضاب صحراوية وأحواض تفصل بينهما. وأهم هذه الهضاب: بادية الشام، ونجد، وحضرموت. وتنحصر هضبة بادية الشام بين مرتفعات طوروس وكردستان في الشمال، وصحراء النفود في الجنوب ، وسطح هذه الهضبة يكاد يكون خالـياً من أي تضرس، فهو مستو ومكشوف تماماً، وتغطي سطحه بعض الحشائش الفـقـيرة.
وتغطي الرمال والحصى نطاقات من هذه الهضبة، التي تأخذ شكل صحراء قاحلة، وإن بدأت بعض مشروعات التنمية يتطرق إليها حالياً. وينحدر سطح الهضبة تدريجياً من الغرب صوب الشرق، ويبلغ متوسط ارتفاع هذه الهضبة 1980 قدماً فوق مستوى سطح البحر، ولا يرتفع عن هذا المتوسط سوى جبال: الدروز، والشعر، والبويضة 6560، 4190، 4150 قدماً.
وأما هضبة نجد، فتقع بين صحراء النفود في الشمال وصحراء الربع الخالي في الجنوب، ويحدها من جهة الشرق امتداد صحراء الدهناء، ومن جهة الغرب جبال عسير والحجاز. ويتنوع ارتفاعها 1650 ـ 3000 قدم، وانحدارها العام من الغرب والجنوب الغربي، ويتمشى ذلك مع الانحدار العام. وأما المنطقة الجنوبية من هضبة شبه الجزيرة العربية فتشغلها هضبة حضرموت، التي تمتد في أقصى الجنوب بين صحراء الربع الخالي شمالاً وساحل بحر العرب جنوباً، وانحدارها عموماً من الغرب إلى الشرق.
وأما الأحواض في هضبة شبه الجزيرة العربية، فهي تلك الأحواض والمناطق المنخفضة والمحصورة بين الهضاب، وهـذه المنخفضات ملـيئة بالإرسابات الرملية، التي تظهر على شكل صحاري عظيمة، أهمها في هضبة شبه الجزيرة العربية: النفود، والدهناء، والربع الخالي.
وتفصل صحـراء النفود بين هضبة بادية الشـام في الشمال وهضبة نجد فـي الجنوب، وتمتد من الشرق إلى الغرب لمسافة 600 كـم، ومن الشمال إلـى الجنوب لمسافة 250 كم، وأُطلق عليها أسم صحراء النفود، التي تعنى المسطحات الرملية الصعبة المسالك. وأما صحراء الدهناء فهي التي تفصل بين هضبة نجد في الغرب وساحل الخليج العربي في الشرق، فهي تمتد في شكل طولي بين الشمال والجنوب لمسافة 1300 كم، بينما يراوح عرضها بين الشرق والغرب من 25 إلى 80 كم.
وتشغل صحراء الربع الخالي المسافة بين هضبة نجد شمالاً وهضبة حضرموت جنوباً وتشغل مساحة 600 ألف كم2، أي أنها تمثل ربع مساحة شبه الجزيرة العربية، لذا أطلق عليها الربع الخالي، الذي يشكل أكبر نطاق صحراوي في شبه الجزيرة العربية.
وأما الهضاب العربية في قارة أفريقيا فتعد أهم أشكال السطح في هذا الجزء. وأهمها هضبة الصحراء الكبرى، التي تمتد من ساحل المحيط الأطلسي غرباً إلى مرتفعات البحر الأحمر شرقاً، وتمتد من ساحل البحر المتوسط شمالاً صوب الجنوب لمسافة تقدر بنحو 2000 كم، ويبلغ منسوبها (640 ـ 4900 قدم) فوق مستوى سطح البحر. وتنحدر الهضبة تدريجياً من الجنوب صوب الشمال. ويتغير الانحدار فجأة في بعض المناطق، كما هو الحال في منطقة الجبل الأخضر في ليبيـا، حيث ينحدر السطح بصورة حادة صوب ساحل البحر، لينتهي عند نطاق سهلي ضيق.
وتضم هضبة الصحراء الكبرى نطاقاً من الحافات المرتفعة، تمتد من الجنوب الشرقي صوب الشمال الغربي، لتقسم سطح الهضبة إلى قسمين شرقي وغربي. هذا النطاق يمثله جبل العوينات ومرتفعات دارفور.
وبجانب الحافات المرتفعة، تضم الهضبة مجموعة من الأحواض، أهمها من الغرب إلى الشرق: تاودينى في شرق وجنوب موريتانيا، وبسكرة في الجزائر، وفزان، والقطارة، والنطرون، ووادى النيل بصعيد مصر. وساهمت عوامل التعرية المختلفة في تكوين هذه المنخفضات والأحواض، وينتشر في تلك المنخفضات مجموعـة من الواحات أهمها: غـدامس في ليبيا، وتوغورت، وجرداية، واورجـلا، وعـين صالح بالجزائر، وتافيلـلت في المـغرب، والداخـلة والخارجة، والفرافرة، وسيوة في مصر.
وتشغل الكثبان الرملية مساحات واسعة، ويعد بحر الرمال الأعظم أهم النطاقات الرملية في هضبة الصحراء الكبرى. ويمتد في جنوب غرب جمهورية مصر العربية من هضبة الجلف الكبير في أقصى جنوب غرب الصحراء الغربية إلى منخفض واحة سيوه في الشمال، أي أنه يمتد لمسافة 800 كم، ويبلغ عرضه 300 كم، ويتكون من رواسب رملية تغطي هذه المنطقة، ويصل عمقها في بعض المواقع 85 متراً . وتأخذ الكثبان الرملية هنا شكل سلاسل طولية، تسببها الرياح وتعرف بالغرود، وهي عبارة عن كثبان طولية متوازية، يتألف كل غرد منها من سلسلة من التلال الرملية، تنتمي إلى النوع الهلالي المعروف بالبرخان، وقد يبلغ طول كل غرد من هذه الغرود ما يقرب من 60 كيلو متراً، وأما عرضه فلا يزيد على بضع عشرات من الأمتار.
وتفصل الغرود الطولية عن بعضها البعض مسافات متساوية، بحيث تعطي هيئة الأرض الطبيعية مظهراً، يتميز بوجود سلاسل متوازية من الحافات الفقرية، تنحصر بينها أراض واطئة أشبه بالممرات. وتتكون قيعان هذا الممرات من الأراضي الصخرية، التي تتألف منها السطوح الصحراوية ذاتها، وينتشر هذا النوع جنوبي منخفض القطارة إلى منخفض البحرية.
وتمتد الصحاري الرملية في نطاقات أخرى متعددة منها: العرق الغربي الكبير في وسط وجنوب الجزائر، والعرق الشرقي الكبير، الواقع شرقي العرق السابق، والممتد إلى شط الجريد في دولة تونس، وعرق ايجـودى، الـممتد بين كل من: موريتانـيا، والجزائر، وعرق شس، الممتد بين جنوب الجزائر وشمال غرب مالي.
وتغطي الرمال مساحات واسعة أخرى من هضبة الصحراء الكبرى، ويلاحظ انتشار الحصى في نطاقات متفرقة، حيث تغطي مساحات أخرى تتميز باستواء سطحها، وقد أُزيلت هذه الحبيبات الصغيرة من هذه المساحات بفعل الرياح، وبقيت التكوينات الأثقل وزناً وهي الحصى والزلط الصغير والمتوسط الحجم، ويطلق على هذه المناطق لفظ السرير أو الرق، ومن أمثلتها سرير كالاتشو في برقة بليبيا وتنذروفوت جنوب غرب الجزائر، وهناك نطاقات صخرية السطح تشغل مساحات من الهضبة، وهي نطاقات الحمادة، ومن أمثلتها الحمادة الحمراء غربي ليبيا، وحمادة تادميت في وسط الجزائر، وحمادة درعا الممتدة بين الجزائر والمغرب.
ب- الجبال
تضم الصحاري العربية مجموعة من السلاسل الجبلية، وتنتشر جغرافياً على أجزاء الحيز المكاني للصحاري العربية، ففي الجانب الآسيوي العربي جبال: الشام، ومرتفعات الأكراد، والزاوية، وجبال لبنان الشرقية والغربية، ومرتفعات الأردن وفلسطين، ومرتفعات الحجاز، وعسير، واليمن، ومرتفعات كردستان وزاجروس. وأما السلاسل الجبلية في الصحاري العربية الأفريقية فتضم: أطلس الشمالية، والجنوبية، والعظمى، وجبال البحر الأحمر.
ج- السهول
تنقسم السهول في الوطن العربي إلى قسمين: سهول فيضية، وساحلية، فالسهول الفيضية في العالم العربي هي التي تكونت بفعل الأنهار، عن طريق ترسيب المواد المختلفة العالقة بالمياه، ومن أمثلتها: وادي النيل في مصر والسودان، وسهول نهري دجلة والفرات في العراق، وسهل نهر العاصي في سورية، وسهل مرج بن عامر في فلسطين.
وبجانب السهول الفيضية المتكوّنة بفعل الأنهار، هناك سهول تكونت بفعل سرعة الجريان الناتج من سقوط الأمطار على السلاسل الجبلية، من أهمها: سهل سوس، الممتد بين جبال أطلس العظمى وأطلس الداخلية، وسهل نهر سيبو، الممتد بين أطلس الريف وهضبة الميزتا المراكشية، وسهل وادي ماجردة في تونس وسهول أودية شبيلي، وجوبا، ونوجال في الصومال.
وأما السهول الساحلية فهي السهول التي تطل على البحار الخارجية، التي يطل عليها العالم العربي، ويراوح اتساعها من (0.50 ـ 50 كم) وذلك بحسب اقتراب أو ابتعاد السلاسل الجبلية عن خطوط السواحل، وتكاد تنعدم السهول الساحلية، وتضيق في بعض أجزاء الصحاري العربية كما هو الحال في السهل الساحلي للبحر الأحمر في منطقة العين السخنة بجمهورية مصر العربية، والجزائر، وهي عبارة عن أشرطة ضيقة.
الظروف المناخية
تتسم الصحاري العربية بالارتفاع الشديد في درجة الحرارة، الأمر الذي يزيد من صعوبة المناخ وشـدة الحرارة ، بجانب انخفاض الرطوبة النسبية، الأمر الذي يرفع من معدلات التبخر والنتح. وتأتي الصحاري العربية من ضمن أشد مناطق العالم حرارة من حيث المعدل السنوي لها. ويتناول هذا الجزء عرضاً لعناصر المناخ المختلفة في الصحاري العربية. وسيركز هذا الجزء على عناصر: الحرارة والرطوبة، والتساقط على اعتبار أنهما أهم العناصر المناخية.
أ- الحرارة
تعد الصحاري العربية من أشد أقاليم العالم حرارة خصوصاً في فصل الصيف، وتعد من أعلى مناطق نصف الكرة الأرضية الشمالية حرارة في فصل الشتاء أيضاً. فالمنطقة الصحراوية في العالم العربي تقع بين خطى 15 ْ، 30 ْ شمال خط الاستواء، بهذا يتوسطها تقريباً مدار السرطان، حيث تتعامد الشمس أو تقترب من التعامد على سطح الأرض. في حين أن أشعة الشمس في فصل الشتاء، الساقطة إلى سطح الصحاري العربية تميل قيْلاً واضحاً يراوح عموماً بين حوالي 55 درجة، 70 درجة في أشد الحالات ميلا.
ويزداد الإشعاع الشمسي كلما اتجهنا جنوباً خصوصاً في الجانب الآسيوي في المملكة العربية السعودية والجانب الإفريقي في ليبيا، حيث سجلت في العزيزية جنوب ليبيا أعلى درجة حرارة في العالم وهي 136.4 درجة فهرنهيتية، أي حوالي 58 درجة مئوية. بينما يبلغ متوسط درجة الحرارة في مدينة مثل الرياض بالمملكة العربية السعودية 36 درجة مئوية، 40 درجة مئوية في أسوان.
ويتباين المدى الحراري اليومي في الصحاري العربية، فتصل درجة الحرارة نهاراً بمدينة الرياض إلى 43 درجة مئوية، في حين تنخفض إلى النصف ليلاً 22 درجة مئوية، ومعنى ذلك أن المدى الحراري اليومي يبلغ 21 درجة مئوية.
وهناك عدة عوامل ساعدت على سيادة الجفاف بالصحاري العربية من أهمها : وقوع هذا الإقليم في نطاق الضغط الجوى المرتفع ، بجانب بعده عن مسارات الانخفاضات الجوية الممطرة، أضف إلى ذلك هبوب الرياح التجارية الشمالية الشرقية بانتظام، التي من أهم سماتها أنها رياح جافة.
وهناك مرتفعات الشام وأطلس، التي تعترض مسار الرياح الممطرة القادمة من جهة البحر، وهناك أيضاً تيار كناريا البارد الذي له أثره في جفاف النطاق الغربي من الصحراء الكبرى والمطل على المسطح المائي العظيم (المحيط الأطلسي)، فهذا التيار البحري (كناريا) يعمل على خفض درجة حرارة المياه، والمعروف أن المياه الباردة لا تتبخر. لذلك يؤدي هذا التيار إلى انتشار الجفاف فوق اليابس وحدوث ظاهرة الشابورة على المناطق الساحلية.
ومن أهم ما يتصل بشدة الجفاف الرطوبة النسبية والرطوبة المطلقة، ودرجة الحرارة، وعدم توفر مسطحات مائية أو أي مصدر آخر للرطوبة مما يؤدى إلى انتقال بخار الماء من هذا المصدر إلى الهواء فترتفع الرطوبة المطلقة والنسبية إذا لم ترتفع درجة حرارة الهواء لسبب ما.
ويؤدي انخفاض الرطوبة النسبية في الصحاري العربية دوراً هاماً في زيادة التبخر، مما ينعكس على زيادة الفاقد بالتبخر والنتح، مما يضر بالتنمية الزراعية المنشودة في هذه الصحاري بجانب الرعي الذي يُعدّ حرفة رئيسية. وأما الرطوبة المطلقة فتعد الصحاري العربية أقل مناطق العالم احتواء لبخار الماء في جوها، ذلك أن هذه النسبة تقل عن 3% في كل الصحاري وأشباه الصحاري. بينما نجدها في الصحاري العربية تقل عن 2% بل تصل في بعض الأجزاء إلى 1% . ويرجع سبب ذلك إلى أنه لا توجد مساحات مائية كبيرة وسط الصحاري العربية، الأمر الذي أدى إلى قلة توفر بخار الماء في الجو لانعدامه تقريباً على سطح الأرض.
ب- الأمطار
تتفاوت الأمطار الساقطة على الصحاري العربية في الكمية والتوقيت، بل تندر في بعض الأحيان مما يؤدّي إلى سيادة الجفاف، الذي لا يسمح بظهور حياة نباتية طبيعية ذات قيمة. ولا تتجاوز كمية الأمطار السنوية الساقطة فوق مساحات واسعة من هذا الإقليم عن 100 مم، بل هناك بعض المناطق الجغرافية في الصحاري العربية، التي قد لا تسقط عليها أمطار لسنوات عديدة، وربما يكون سقوطها على فترات متباعدة.
وتأخذ الأمطار الساقطة شكل زخّات شديدة ومصحوبة بعواصف رعدية، ربما ينتج عنها سيول جارفة، تخترق الأودية الجافة، التي تنتشر في جهات كثيرة في الصحاري العربية. ومن أهم المناطق، التي تستقبل كميات مناسبة من الأمطار، أطراف الصحراء الشمالية، خصوصاً في فصل الشتاء، ويرجع سبب ذلك إلى أنها تقع مجاورة لإقليم البحر المتوسط. وأما الأطراف الجنوبية للصحاري العربية فتستقبل كميات وفيرة من الأمطار في فصل الصيف ويرجع سبب ذلك أنها تقع مجاورة للإقليم المدارى. وتعد المناطق الجنوبية أعلى كثافة من الأطراف الشمالية 15 بوصة.
ومعنى ذلك أن الصحاري العربية تنقسم إلى ثلاث مناطق من حيث المعدل السنوي للأمطار هي: المنطقة شبه الجافة، ويبلغ متوسط سقوط المطر السنوي فيها 160 مم، والمنطقة الجافة، ويراوح معدلها السنوي بين 100 ـ 160 مم، والمنطقة شديدة الجفاف، ويقل المعدل السنوي للمطر فيها عن 20 مم، وهذه المنطقة الأخيرة تغطي مساحة كبيرة من الصحاري العربية.
وتشغل المناطق شديدة الجفاف جزءاً كبيراً من الصحاري العربية، ومن أهمها: منطقة الصحراء الكبرى، التي تكون أجزاء كبيرة من موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس وليبيا، ومصر، والربع الخالي في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية. وأما المنطقة الجافة، فتشغل مساحة كبيرة تحيط بالصحراء شديدة الجفاف في كل هذه البلدان. وبذلك يكون المتوسط السنوي للمطر في أغلب أرجاء الوطن العربي لا يربو على 100 مم. بينما تشغل المنطقة شبه الجافة المرتفعات في شمالي العراق، وفي بعض مناطق سورية، والأردن، ولبنان واليمن، والمناطق الساحلية في تونس، والجزائر، ومراكش، وبعض المناطق في السودان.
ويمكن القول إنه، نتيجة للآثار السلبية للمناخ، فقد حدثت تغيرات مناخية كبيرة، تعاقبت فيها عصور رطبة وأخرى جافة عبر الأزمنة الجيولوجية، أدت إلى نشوء الصحاري، التي تغطي جزءاً كبيراً من منطقتنا العربية، وعلى الرغم من أن هذه العصور تلاشت، إلاّ أنها لا تزال تؤثر بشكل فعال في نشوء البيئات الصحراوية من خلال الظروف القاسية، التي تتميز بها الصحاري العربية، التي تؤثر في المناطق المجاورة لها.
والملاحظ أيضاً أن طبيعة المناخ في الوطن العربي، منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، كان جافاً بطبيعته. ودورات الجفاف الطويلة والقصيرة دائمة الحدوث، ولم يحدث فيها أي تغيير ملموس حتى يومنا هذا، حيث يمتاز بالانخفاض الشديد في معدلات السقوط المطري وعدم انتظامه، والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، وشدة الرياح، وسيادة الرياح القارية.
التربة والغطاء النباتي
يعرض هذا الجزء للمتغيرين معاً نظراً للارتباط الوثيق بين التربة والغطاء النباتي، وسنحاول إلقاء الضوء على أهم التربات في العالم العربي مع التركيز على التربة الصحراوية، التي تنتشر في الصحاري العربية وغطائها النباتي. ويمكن تصنيف التربة في العالم العربي إلى ثمانية أنواع هي: التربة الفيضية، والحشائش المدارية، والاستبس، والصحراوية، والمرتفعات، والقوز، والمدارية الحمراء، والبحر المتوسط.
وتتكون التربة الصحراوية من الرمال الناعمة والحصى، ويغلب على لونها اللون الأصفر أو الرمادي، الذي يغلب عليه الحمرة في بعض الحالات. وتعد التربة في الواحات والأودية الجافة من أخصب نطاقات التربة الصحراوية وأصلحها للعمليات الزراعية، حيث تتوافر بها نسبة محدودة من العناصر العضوية وتقل نسبة الأملاح فيها.
وتعد التربة الصحراوية عموماً من التربات الفقيرة في العناصر العضوية، ويرجع سبب ذلك إلى جفاف الصحراء، والفقر الذي يخيم على هذه البيئة في الغطاء النباتي والحيواني لندرة الأمطار. وهناك محاولات جادة من قبل الدول العربية لاستصلاح هذه التربات واستزراعها وسنعرضها في موضع تالٍ للتعرف عليها.
وترتفع عادة نسبة الأملاح الذائبة في الطبقة السطحية من التربات الصحراوية ، ويرجع سبب ذلك إلى قلة الأمطار، التي تعمل على إذابة الأملاح الموجودة في التكوين الصخري، إلاّ أن هذه الأملاح، نتيجة للارتفاع الشديد في درجة الحرارة، تتجمع بفعل الخاصية الشعرية على سطح التربة ممّا يؤدى إلى تملحها.
وتؤدي الرياح دوراً هاماً في تعرية التربة الصحراوية، من خلال عمليات النحت، والنقل، ثم الإرساب. خصوصاً في مساحات من التربات الصحراوية، التي تشكل تربات مناسبة للتوسع الزراعي والرعوي، إذا توفرت المياه اللازمة للنشاط البشرى. وقد تكون هذه المساحات أراضى بهادا أي أراضي مروحات رسوبية عند حضيض المنحدرات في الصحاري وأشباه الصحاري العربية.
وتستطيع الرياح أن تنحت وتنقل بعض موادها السائبة أو شبه المتماسكة من مواضعها إلى جهات أخرى، خصوصاً في المناطق، التي تخلو من الغطاء النباتي أثناء فصل الجفاف، ويؤثر ذلك على النشاط البشري، والتجمعات العمرانية، والطرق، والمنشآت، وتحدث بذلك ظاهرة التصحر.
وأما الغطاء النباتي في الصحاري العربية، فهو غطاء فقير، يرجع سببه إلى ندرة الأمطار وموارد المياه، ولذلك نجد أن هذا الغطاء يتكون من نباتات تتحمل الجفاف الشديد، بل تقاوم هذا الجفاف بطرق عديدة، من أهمها اختزان المياه في سيقانها، وأوراقها كما في نباتات الصُبير.
وتحاول هذه النباتات التحايل على ظروف الجفاف في الصحاري العربية، وذلك عن طريق امتصاص ما تحتاج إليه من الرطوبة من الندى، أو الضباب، أو امتداد الجذور إلى أعماق بعيدة عن سطح الأرض حتى تصل إلى منسوب المياه الجوفية، أو تستفيد من الرطوبة الأرضية كأشجار النخيل، والزيتون التي تناسب البيئة الصحراوية الجافة وشبه الجافة.
وتتساقط البذور من بعض هذه النباتات وتظل موجودة في التربة لحين تساقط الأمطار في المواسم التالية، بحيث تنمو مرة أخرى عقب سقوط الأمطار مباشرة، وتستمر نامية لمدة شهر تقريباً، مما يعنى استمرار نموها، وجدير بالذكر أنه ينمو عند أطراف الأقاليم الصحراوية الشمالية والجنوبية غطاء عشبي مميز، لمجاورة هذه الأطراف لنطاقات تنتمي لأقاليم مطيرة، تتمثل في أقاليم البحر المتوسط شمالاً والإقليم المدارى جنوباً.
الواحات Oases
هي مساحات خضراء، توجد على شكل بقعه خضراء في الصحراء، حيث تتوافر فيها كميات، من المياه الجوفية Underground Water، تساعد على نمو النباتات بشكل دائم، وبالتالي تمثل المياه امتيازاً للواحات يفصل بينها وبين الصحراء المحيطة بها، وتختلف مساحة الواحات من برك صغيرة محاطة ببعض أشجار من النخيل إلى مساحات، تصل إلى مئات الكيلومترات المربعة.
ويعمل سكان الواحات بالزراعة حرفة أساسية، اعتماداً على مياه الآبار والعيون، كما في واحة سيوه Siwa Oasis شمال غرب مصر بالقرب من الحدود الليبية، وتقوم حرفة الزراعة بها، اعتماداً على مياه الآبار والعيون المائية التي يصل عددها إلى 106 آبار وعيون، لذا فهي تدعم مدينة مرسى مطروح، الواقعة إلى الشمال منها، بمنتجاتها الزراعية، وخاصة الزيتون والتمر.
وهناك بعض الواحات التي تتسم بموسمية المياه، إذ تتوافر في فصل المطر وتغيب عنها في وقت الجفاف، كما في واحة اتوشا Etosha شمال نامبيا، وهي تُعد منتزهاً قومياً National Park، استغلته الدولة في السياحة. وتوجد بعض الواحات حول بحيرات مثل واحة اماديوس Amadeus وجايردنرGairdner حول بحيرتي اماديوس وجايردنر الأولى في شمال أستراليا والثانية في جنوبها.
وتنشأ بعض الواحات بفعل تعرية الرياح، التي تجعلها على شكل منخفض، مما يؤدي إلى قرب أسطحها من المياه تحت السطحية، لذا فهي تتعرض للتبخر الشديد كما في منطقة الشط، شمال كل من تونس والجزائر. وتعتمد بعض الواحات على حفر الآبار الارتوازية Artesian للوصول إلى الطبقات الحاوية للمياه Aquifers، كما في واحات ليبيا واستراليا.
وتعد واحة الداخلة Dakhla Oasis، التي تضم أراضيها نحو 635 بئر سطحية، إضافة إلى 130 بئر عميقة تنتج مجتمعة حوالي 229 ألف متر مكعب يومياً، من أكبر الواحات من حيث المساحة المزروعة من أشجار النخيل، لذا يعتمد عليها سكانها في مأكلهم ويصنعون منها الزيت والحبال.
وتعاني الواحات من مشكلة التصحر Desertification، وزحف الرمال، مما يؤدي إلى تقلص الأراضي الزراعية ويُهدد سكانها بالتشرد والحياة الرعوية وبالموت، كما في كيرزاز Kerzaz غرب الجزائر.