معركة كربلاء

معركة كربلاء وتسمى أيضاً واقعة الطف هي ملحمة وقعت على ثلاثة أيام وختمت في 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 12 أكتوبر 680م،وكانت بين الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت نبي الإسلام، محمد بن عبد الله، الذي أصبح المسلمون يطلقون عليه لقب "سيد الشهداء" بعد انتهاء المعركة، ومعه أهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.

تعتبر واقعة الطف من أكثر المعارك جدلاً في التاريخ الإسلامي فقد كان لنتائج وتفاصيل المعركة آثار سياسية ونفسية وعقائدية لا تزال موضع جدل إلى الفترة المعاصرة، حيث تعتبر هذه المعركة أبرز حادثة من بين سلسلة من الوقائع التي كان لها دور محوري في صياغة طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة عبر التاريخ وأصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزا للشيعة ومن أهم مرتكزاتهم الثقافية وأصبح يوم 10 محرم أو يوم عاشوراء، يوم وقوع المعركة، رمزاً من قبل الشيعة "لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف".

رغم قلة أهمية هذه المعركة من الناحية العسكرية حيث اعتبرها البعض من محاولة تمرّد فاشلة قام بها الحسين إلا أن هذه المعركة تركت آثاراً سياسية وفكرية ودينية هامة. حيث أصبح شعار "يا لثارات الحسين" عاملاً مركزياً في تبلور الثقافة الشيعية وأصبحت المعركة وتفاصيلها ونتائجها تمثل قيمة روحانية ذات معاني كبيرة لدى الشيعة، الذين يعتبرون معركة كربلاء ثورة سياسية ضد الظلم. بينما أصبح مدفن الحسـين في كربلاء مكاناً مقدساً لدى الشيعة يزوره مؤمنوهم، مع ما يرافق ذلك من ترديد لأدعية خاصة أثناء كل زيارة لقبره. أدى مقتل الحسين إلى نشوء سلسلة من المؤلفات الدينية والخطب والوعظ والأدعية الخاصة التي لها علاقة بحادثة مقتله وألفت عشرات المؤلفات لوصف حادثة مقتله.

يعتبر الشيعة معركة كربلاء قصة تحمل معاني كثيرة "كالتضحية والحق والحرية" وكان لرموز هذه الواقعة حسب الشيعة دور في الثورة الإيرانية وتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي لنظام الشاه، وخاصة في المظاهرات المليونية التي خرجت في طهران والمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراء والتي أجبرت الشاه السابق محمد رضا بهلوي على الفرار من إيران، ومهدت السبيل أمام إقامة النظام الإسلامي في إيران وكان لهذه الحادثة أيضا، بنظر الشيعة، دور في المقاومة الإسلامية في وجه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

الفهرس [hide]

جذور الخلاف بين السنة والشيعة

بعد وفاة النبي محمد سنة 632م في المدينة المنورة كانت هناك فترة من الغموض والتساؤل حول كيفية اختيار خليفة له يقود المجتمع الإسلامي حديث النشوء. حدث الكثير من المناقشات حول تحديد الطريقة الواجب اتباعها في اختيار الحاكم حيث لم يكن هنالك حسب أية وثيقة أو دستور لتحديد نظام الحكم وإنما بعض القواعد العامة فقط حول علاقة الحاكم بالمحكوم. بينما يعتقد البعض أنه كانت هناك نصوص واضحة حول ما اعتبروه أحقية علي بن أبي طالب بخلافة الرسول محمد، وهي الآية القرآنية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.

يرى معظم علماء الدين المسلمين أن حادثة سقيفة بني ساعدة تشير إلى أن من حق المسلمين تحديد ما يصلح لهم في كل عصر ضمن إطار القواعد الرئيسة للإسلام. توزعت الآراء حول اختيار الحاكم في سقيفة بني ساعدة إلى ثلاتة آراء رئيسية: رأي يرى بقاء الحكم في قريش مستندا إلى أبى بكر الذي قال إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قـريش ،هم أوسط العرب نسبا ودارا

وكان هذا مخالفا لرأي أهل المدينة المنورة الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية واتخذ فيها المسلمون من مكة ملاذا ونقطة انطلاق، وكان هناك رأي ثالث بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير آخر ودار النقاش في سقيفة بني ساعدة. وقع الاختيار في النهاية على أبي بكر ليتولى الخلافة -ربما على أساس أن النبي محمد اختاره لإمامة جموع المسلمين حين أقعده المرض، مع وجود رواية تاريخية أخرى تقول بأن أبا بكر كان ضمن جيش أسامة ورجع عندما أرسلت له ابنته السيدة عائشة مبلغة اياه بسوء الحالة المرضية للنبي فرجع وتقدم للصلاة فلما علم النبي في تقدم أبي بكر جاء واستأنف الصلاة من بدايتها ولم يبن على صلاة أبي بكر، ولم يكن في الأمر انفرادا في اتخاذ القرار وبينما اعتبرت العملية التي تمت تحت تلك السقيفة في نظر السنة أكثر ديمقراطية في ذلك الوقت من العديد من أنظمة الحكم الوراثية التي كانت ولا تزال لحد هذا اليوم شائعة في بعض مناطق العالم. اعتبر الشيعة غياب ركن هام في المجتمع الإسلامي وهو الهاشميين ينقص من اكتمال اجتماع السقيفة حيث غاب عنها علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وباقي أبناء عبد المطلب حيثوا كانوا مشغولين بتغسيل الرسول وتكفينه واعترض على نتائجها بعض الصحابة أمثال أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو وأسامة بن زيد وغيرهم.

من جهة أخرى يعتقد الشيعة أن بعض الحوادث التاريخية مثل غدير خم وحادثة الكساء وائتمان الرسول لعلي على شؤون المدينة أثناء غزوة تبوك وبعض النصوص في القرآن والحديث النبوي مثل حديث السفينة وحديث الثقلين وحديث دعوة العشيرة وحديث المنزلة فيها إشارة واضحة إلى حق علي بن أبي طالب بخلافة النبي محمد، على الرغم من مبايعة علي لأبو بكر ليكون الخليفة رغبة منه في تفادي حدوث صدع في صفوف المسلمين، بينما يذهب البعض الآخر إلى التشكيك أصلا في مبايعة علي لأبي بكر استنادا إلى بعض الروايات التي رواها ابن كثير وابن الأثير والطبري عن امتناع علي بن أبي طالب وبعض من الصحابة في دار فاطمة الزهراء عن البيعة لأبي بكر.

بعد مقتل عثمان بن عفان الذي كان من بني أمية، أخذ معاوية بن أبي سفيان الذي كان من بني أمية أيضا مهمة الثأر لعثمان بسبب ما اعتبره معاوية عدم جدية علي بن أبي طالب في معاقبة قتلة عثمان واعتبر معاوية علي بصورة غير مباشرة مسؤلا عن حوادث الاضطراب الداخلي التي أدت إلى مقتل عثمان. وتفاقم الخلاف بين علي ومعاوية مفضيا إلى صراع مسلح بينهما في معركة صفين ولكن دهاء معاوية في المعركة أدى إلى حدوث انشقاقات في صفوف قوات علي بن أبي طالب. وأطلقت تسمية الخوارج على الطائفة التي كانت من شيعة علي بن أبي طالب ثم فارقته وخرجت عليه وقاتلته. استغل معاوية ضعف القيادة المركزية لخلافة علي وقام بصورة غير مركزية ببسط نفوذه على سوريا ومصر وبعد اغتيال علي في عام 661م كان معاوية في موضع قوة أفضل من ابن الخليفة الراحل، الحسن بن علي بن أبي طالب الذي فضل أن يعيش في المدينة المنورة لأسباب لا تزال موضع نقاش إلى الآن. فحسب السنة قام الحسن بمبايعة معاوية وحسب الشيعة فإن المبايعة تمت بسبب تقديرات الحسن لموقف أهل البيت الذي كان في وضع لايحسد عليه بعد اغتيال علي بن أبي طالب ويعتبر البعض إن الحسن بن علي "تنازل" عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان على شرط أن تعود طريقة الخلافة بعد موته إلى نظام الشورى بين المسلمين ويعتبر البعض أن تعين يزيد بالوراثة خليفة على المسلمين بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان كان نقطة تحول في التاريخ الإسلامي حيث شكل بداية لسلسلة طويلة من الحكام الذين يستولون على السلطة بالقوة ليورثونها فيما بعد لأبنائهم وأحفادهم ولا يتنازلون عنها إلا تحت ضغط ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية أو حركات تمرد مسلحة.

قبل المعركة

خلافة معاویة

استنادا لمصادر تاريخية فإن الخلافة استقرت لمعاوية بن أبي سفيان بعد توقيع معاهدة الصلح مع الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ويعتقد البعض أن مجموعة من العوامل أدت إلى تنازل الحسن لمعاوية منها:

  • محاولة لحقن الدماء وتوحيد الكلمة بعد سلسلة من الصراعات الداخلية بين المسلمين ابتداء من فتنة مقتل عثمان إلى معركة الجمل ومعركة صفين وقد أثنى الكثير على هذه المبادرة وسمي العام الذي تم فيه الصلح "عام الجماعة".

  • مبادرة الصلح والتنازل كانت مشروطة بعودة طريقة الخلافة إلى الامام الحسن بن علي بن أبي طالب بعد موت معاوية.

أعقب هذا الصلح فترة من العلاقات الهادئة بين أعداء الأمس في معركة صفين وبعد استشهاد الحسن عندما قام معاوية وهو على قيد الحياة بترشيح ابنه "يزيد بن معاوية" للخلافة من بعده قوبل هذا القرار بردود فعل تراوحت بين الاندهاش والاستغراب إلى الشجب والاستنكار فقد كان هذا في نظر البعض نقطة تحول في التاريخ الإسلامي من خلال توريث الحكم وعدم الالتزام بنظام الشورى الذي كان متبعا في اختيار الخلفاء السابقين وكان العديد من كبار الصحابة لايزالون على قيد الحياة واعتبر البعض اختيار يزيد للخلافة يستند على عامل توريث الحكم فقط وليس على خبرات المرشح الدينية والفقهية. وبدأت بوادر تيار معارض لقرار معاوية بتوريث الحكم تركز بالحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

خلافة یزید و امتناع الحسین من مبایعته

عند وفاة معاوية بن أبي سفيان أصبح ابنه يزيد بن معاوية خليفة ولكن تنصيبه جوبه بمعارضة من قبل بعض المسلمين وكانت خلافة يزيد التي دامت ثلاث سنوات وصلة حروب متصلة، ففي عهده حدثت ثورة كربلاء ثم حدثت ثورة في المدينة انتهت بوقعة الحرة ونهبت المدينة. كما سار مسلم بن عقبة المري إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وأصيبت الكعبة بالمنجنيقات. حاول يزيد بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه كخليفة فقام بإرسال رسالة إلى والي المدينة المنورة – الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- كتاباً يخبره بموت معاوية ويأمره بأخذ البيعة بالقوة حيث جاء فيه: «أما بعد فخذ حسيناً وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام». ثم أردف يزيد كتابه هذا بكتاب آخر جاء فيه: «أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي». فاستشار الوليد بن عقبة، مروان بن الحكم فاشار عليه بأن يبعث إلى هؤلاء فيدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة... فأرسل الوليد، عبدالله بن عمرو بن عثمان وهو إذ ذاك غلام حدث إلى الإمام الحسين عليه السلام وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر يدعوهم الى دار الإمارة فجاء الإمام عليه السلام ومعه ثلاثين من مواليه والهاشميين فدخل على الوليد في دار الإمارة في المدينة. فلما جلس الإمام عليه السلام أقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة فقال الإمام عليه السلام: «إنا لله وإنا إليه راجعون، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سراً ولا أراك تجتزئ بها مني سراً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية!» قال الوليد: «أجل». قال: «فإذا خرجت– غداً- إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً»..

وفي عصر اليوم التالي بعث الوليد الرجال إلى الحسین عند المساء، فقال عليه السلام: «أصبحوا ثم ترون ونرى». فكفوا عنه تلك الليلة ولم يلحّوا عليه فخرج عليه السلام من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين متوجها صوب مكة.

خروج الحسین من المدينة

بعد أن قرر الحسین الخروج من المدينة توجه نحو قبر أمّه وأخيه ثم رجع الى داره وذهب بعض المؤرخين الى القول بأنّه عليه السلام بقي ليلتين الى جانب قبر جدّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

وصية الحسین لأخيه ابن الحنفية

لما علم أخوه محمد بن الحنفية بعزم الحسین على الخروج من المدينة أسرع اليه يستعلم الحال فكتب اليه الحسین وصيته التي جاء فيها: «هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمد بن الحنفية، المعروف بابن الحنفية أنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.... وأنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدُي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».

حرکة الحسین نحو مكة

خرج الحسین ليلة الثامن والعشرين من رجب وفي رواية أخرى خرج في الثالث من شعبان سنة ستين للهجرين مع اثنين وثمانين من أهل بيته وأصحابه بما فيهم النساء والاطفال من المدينة متوجها صوب مكة. ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته إلا محمد بن الحنفية فسار بإخوته وأخواته وأبنائه وسائر أهل بيته يرافقه 21 من أصحابه وأنصاره. ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: «لو تنكّبت الطريق كما فعل ابن الزّبير لكيلا يلحقك الطلبُ»، قال: «لا والله لا أُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض».فلقيه عبد الله بن مطيع وكان من أشراف العرب فقال له: «جُعلت فداك أين تريد؟» قال: «أمّا الآن فمكّة...». وبعد خمسة أيام وصلت قافلة الحسین الى مكة وكان ذلك في الثالث من شعبان من سنة ستين للهجرة. فاستقبلته الجماهير وحجاج بيت الله الحرام. وأهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ويجتمعون عنده.

کتب الکوفیین ودعوة الحسین للثورة

وصلت أنباء رفض الحسين بن علي مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل القوة لشيعة علي بن أبي طالب وبرزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الحسين بن علي واتفقوا على أن يكتبوا للحسين يحثونه على القدوم إليهم، ليسلموا له الأمر، ويبايعوه بالخلافة. فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد... فكتبوا اليه: «إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال» فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان. و لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب السابق وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي وعمارة بن عُبيد السلولي ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا إليه: «أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام». والغريب في الأمر أن شبث بن ربعي الذي يعد من الموالين للحكم الأموي، كتب هو الآخر مع حجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التميمي: «أما بعد فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند والسلام». مجمعين على ضرورة قدومه عليه السلام الى الكوفة. ومع ذلك بقي الإمام عليه السلام يتأمل في كتب القوم ولم يكتب في جوابها شيئا حتى وصل إليه في يوم واحد ستمائة كتاب من الكوفيين ثم توالت عليه الكتب والرسائل من سائر الكوفيين حتى بلغ عدد الكتب اثني عشر ألف كتاب. وعندئذ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل: «من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين أما بعد فإن هانئا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم... وإني باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله». فجعل الإمام عليه السلام ذهابه الى الكوفة منوطا بما يصله من سفيره مسلم بن عقيل.

جواب الحسين إلى أهل الكوفة

لم يجب الإمام على تلك الكتب التي وصلته إلا بعد أن صلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب كتابا إلى أهل الكوفة و هو جواب على كتبهم وأرسله مع هاني و سعيد بن عبد الله و هذا نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين. أما بعد فأن هانياً و سعيداً قدما عليّ بكتبكم و كانا آخر من قدم عليّ من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم و مقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق و الهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلماً بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم فأن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملأكم و ذوي الفضل و الحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت كتبكم فأني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحاسر نفسه على ذلك لله والسلام). وأرسله مع ابن عمّه مسلم بن عقيل الى العراق لاستطلاع حقيقة الأمر وليخبره بما يدور في الساحة الكوفية.

سفیر الحسین في الكوفة

خرج مسلم سرّاً في منتصف رمضان ثم أقبل حتى دخل الكوفة في الخامس من شهر شوال ونزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي. وكان أمير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري. فأقبلت الشيعة تختلف إلى مسلم وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا. لكن هذا الخبر وصل بسرعة إلى الخليفة الأموي الجديد الذي قام على الفور بعزل والي الكوفة النعمان بن بشير بتهمة تساهله مع الاضطرابات التي تهدد الدولة الأموية وقام الخليفة يزيد بتنصيب والٍ آخر كان أكثر حزماً اسمه عبيد الله بن زياد فاقبل عبيد الله حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم فلما دخل قصر الإمارة أماط اللثام عن وجهه. وأصبح ابن زياد فنادى الصّلاة جامعة فاجتمع النّاس، فخرج إليهم وخطبهم ووعد المحسن بالإحسان وتوعّد المسيء بأشدّ العقاب، فبلغ ذلك مسلم بن عقيل فانتقل من دار المختار إلى دار هاني بن عروة. وكان مسلم بن عقيل قد كتب كتاباً أرسله الى الحسين مع عابس بن أبي شَبيب الشاكري. يقول فيه: أما بعد فانّ الرائد لا يكذب أهله وأن جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا. وكان ابن زياد قد دعا مولى له، يقال له: معقل، فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوكم وأعلمهم أنك منهم. وقد تمكن الرجل من انجازالمهمة والتعرف على مكان مسلم عن طريق مكيدة خدع من خلالها مسلم بن عوسجة. ‏ولمّا علم عبيد الله بمكان مسلم وأنّه في دار هانئ أعدّ مكيدة تمكن من خلالها من جلب هانئ الى دار الإمارة وحبسه هناك. ولما علم مسلم بن عقيل بحبس هانئ بن عروة نادى في أصحابه «يا منصور أمت» وحاصر دار الإمارة مع أربعة آلاف من أصحابه. فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، ويحذرهم عقوبة السلطان. وأمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاء من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري. فتفرق الناس عن مسلم بن عقيل ولم يبق معه سوى ثلاثين رجلا. ولما فرغ من صلاتي المغرب والعشاء تفرق الثلاثون عنه أيضاً وأمسى وحيداً في دروب الكوفة. فلجأ إلى بيت السيدة طوعة التي آوته بعد أن أعلمها بأن أهل الكوفة قد خذلوه. ولما تخاذل الناس واستتبت الأمور لابن زياد ذهب الى المسجد وبعد أن أقام الصلاة أمر بالبحث عن مسلم بن عقيل. ولما علم ابن طوعة بمكان مسلم غدا على ابن زياد وأخبره عن مكانه. فالتفت ابن زياد إلى محمّد بن الأشعث وقال له: قُم وآتني به، وأرسل معه سبعين رجلاً فلمّا سمع مسلم وَقْعَ حوافر الخيل خرج إليهم بسيفه وجعل يضرب فيهم يميناً وشمالا. حتى أثخن بالجراح فازدحموا عليه فأوثقوه كِتافاً. فأقبل مسلم على محمد بن الأشعث وعمر بن سعد وطلب منهما أن يبعثا رجلا يبلغ الحسين عليه السلام بما آلت اليه الأمور ويطلب منه الرجوع. وكان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضَيْن من ذي الحجّة وهو اليوم الذي خرج فيه الحسين من مكّة وهو يوم التروية التاسع من ذي الحجة. وكان استشهاده عليه السلام بعد شهرين وأربعة أيام قضاها في الكوفة. وبعد استشهاد مسلم بن عقيل التقى مبعوث محمد بن الأشعب وعمرو بن سعد بالإمام الحسين عليه السلام في منطقة زُبالة واوصل له رسالة ابن عمّه مسلم بن عقيل اليه التي يخبره فيها بتفرق الناس عنه. فتأثر الإمام عليه السلام لذلك كثيراً وخاطب الناس: أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شعيتنا...

حركة الحسین من مكة الى الكوفة

عمرة الحسين و اصحابه

شاع في الوسط المكي ما عزم الحسین من السفر الى الكوفة فجاءه عبد الله بن عمر ومحمد بن الحنفية لصرفه عن سفره هذا، إلا أن الحسین كان قد عقد العزم على ذلك فطاف بالبيت مع أصحابه وسعى بين الصفا والمروة وخرج من مكة المكرمة بعد أربعة أشهر وخمسة أيام قضاها فيها وكان ذلك في يوم الثلاثاء المصادف للثامن من ذي الحجّة (يوم التروية)، وكان معه عليه السلام اثنان وثمانون وقيل ستون من كبار الكوفيين واتباعه واهل بيته . لمّا خرج الحسين من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص بقيادة يحيى بن سعيد، فقالوا له: انصرف أين تذهب ! فأبى عليهم ومضى. وقال الدينوري: ولمّا خرج الحسين عليه السلام اعترضه صاحب شرطة أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند، فقال: إن الامير يأمرك بالانصراف، فانصرف، وإلا منعتك، فامتنع الحسين، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط. وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالانصراف.

المنازل المختلفة في طریق الحسین الی الکوفة

اجتازت قافلة الحسین الكثير من المنازل في طريقها الى الكوفة، منها: التنعيم؛ الصفاح حيث التقى بالفرزدق الشاعر المعروف؛ ذات عرق الذي التقى الإمام عليه السلام فيها مع بشر بن غالب ومع عون بن عبد الله بن جعفر؛ وادي العقيق؛ غمرة؛ أم خرمان؛ سلح؛ أفيعية؛ العمق؛ سليلية؛ مغيثة ماوان، النفرة، الحاجز حيث أرسل من هناك قيس بن مسهر الى الكوفيين؛ سميراء، أجفر حيث التقى فيها عبد الله بن مطيع العدوي الذي نصح الحسین بالرجوع؛ الخُزَيْميَّةُ؛ زرود حيث التحق به زهير بن القين في التاسع من ذي الحجة والالتقاء مع أبناء مسلم بن عقيل ووصول خبر مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة؛ الثعلبية؛ بطان، الشقوق؛ زبالة علم فيها بشهادة قيس بن مسهر، والتحاق جماعة منهم نافع بن هلال بركب الإمام عليه السلام؛ بطن عقبة التقى فيه مع عرمة بن لوزان الذي نصحه بالعدول عن سفره؛ العمية؛ واقصة؛ شراف؛ بركة أبي مسلك؛ جبل ذي حُسَم الذي التقى فيه مع الحر بن يزيد الرياحي؛ البيضة؛ المسيجد؛ الحمام، المغيثة، أم القرون، العذيب؛ قصر بني مقاتل الذي التقى فيه بعبيد الله بن الحر الجعفي؛ القطقطانة، كربلاء؛ وادي الطف الذي نزله في الثاني من المحرم سنة 61 هجرية.

کتاب الحسین الی أهل الکوفة

سجلت المصادر التاريخية أنه لمّا بلغ الحسين الحاجر من بطن الرّمة، كتب كتاباً إلى جماعة من أهل الكوفة، منهم : سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شداد وغيرهم. وأرسله مع قيس بن مسهّر الصيداوي ـ وذلك قبل أنْ يعلم بقتل مسلم، فأقبل قيس بكتاب الحسين إلى الكوفة، فلمّا انتهى قيس إلى القادسيّة، اعترضه الحُصين بن تميم ليفتّشه فأخرج قيس الكتاب وخرّقه، فحمله الحُصين إلى ابن زياد فلمّا مثُل بين يديه، قال له: مَن أنت ؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسين. قال: فلماذا خرّقت الكتاب؟ قال: لئلاّ تعلم ما فيه. فغضب ابن زياد وقال: والله، لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتك إرباً إرباً. فقال قيس: أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم، وأمّا السبّ فأفعل. فصعد قيس، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ هذا الحسين بن علي خير خلق الله، ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا رسوله إليكم وقد خلّفته بالحاجر فأجيبوه.

وصول خبر قتل المسلم و هاني و عبدااالله يقطر

روي أن الحسين قبل أن يصله خبر قتل مسلم بن عقيل أرسل اليه كتاباً بيد أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر وفي الطريق اعترضه الحصين بن نمير التميمي فسيره من القادسية إلى ابن زياد فقال له: اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي، فصعد فاعلم الناس بقدوم الحسين عليه السلام ولعن ابن زياد وأباه، فأمر به ابن زياد فرُمي من أعلى القصر فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عُمير اللخمي فذبحه. فبلغ خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطرالحسين وهو في زبالة.

کتاب الحسین الی اهل البصرة

كتب الحسين إلى جماعة من أشراف البصرة ورؤساء الأخماس (أي قبائل: العالية، بكر بن وائل، تميم، عبد القيس والأزد). كتابا مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين إلى كل من مالك بن مِسمَع البكري، الأحنف بن قيس، المُنذِر بن الجارود، مسعود بن عمرو، قيس بن الهيثم، عمرو بن عبيداللّه بن مَعمَر. فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها وفيه: «أمّا بعد... قد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا اءدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه». فكان كل من قرأ كتاب الحسين كتمه عن ابن زياد، ولم يخبر به أحد الا المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب إلى عبيد الله بن زياد، لانّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه.

قطع الطریق على قافلة الحسین

لمّا بلغ عبيد الله بن زياد خروج الحسين من مكّة وأنّه توجّه نحو العراق بعث الحُصين بن نُمير صاحب شرطته ومعه أربعة آلاف فنظّم الخَيْلَ من القادسيّة إلى خَفّان وما بين القَطْقُطانة إلى جبل لَعْلَع لمراقبة خطوط الحركة؛ لأنها مراكز ومحطَّات لابُدَّ للمُتوجِّهين صوب العراق والشام أنْ يمرُّوا بها. ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح– وكان ضمن الأربعة آلاف- في ألف إلى الحسين، وقال: سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به، ففعل ذلك الحر بن يزيد.

روى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الأسديين، قالا: كنّا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه، ثم ساروا صباحا، فلما انتصف النهار رأينا هوادي الخيل فسبقناهم الى ذي حسم، فضربت ابنية الحسين عليه السلام، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين عليه السلام في حرّ الظهيرة والحسين عليه السلام واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم ورشفوا الخيل.

خطبةالحسين قبل صلاة الظهر في منزل شراف

فلما سقوهم ورشفوا خيولهم، حضرت الصلاة. فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الإقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إيّها الناس إنّها معذرة الى الله واليكم إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ان اقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه اليكم»، قال: فسكتوا– الحر وجيشه- عنه. فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال الحسين عليه السلام للحر: «أتريد أن تصلى بأصحابك؟» قال: «لا، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك»، فصلى بهم الحسين عليه السلام.

خطبةالحسين قبل صلاة العصر في منزل شراف

فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثم إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين عليه السلام فصلى بالقوم ثم سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أمّا بعد أيها الناس فانكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غيرما أتتنى كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم». فقال له الحر بن يزيد: «إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ولسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك الا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد».

وصول و حركة قافلةالحسين

فقال الحسين لأصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: ما تريد؟ قال الحر: «أريد والله أن انطلق بك إلى عبيد الله بن زياد». قال له الحسين : «اذا والله لا اتبعك». فقال له الحر: «إذن والله لا أدعك»، فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثرالكلام بينهما قال له الحر: «إنّي لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب اليه أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».

فتياسر الحسين وأصحابه عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا والحر يسايره.

واصل الركب الحسيني حركته حتى وصل الى البيضة صباحا فأمر الإمام عليه السلام أصحابه بالتوقف هناك لأداء الصلاة ثم أمرهم بالحركة متوجها صوب نينوى التي وصلها ظهر ذلك اليوم.

وصول مبعوث ابن زياد

فاذا بمبعوث أبن زياد مالك بن النسر الكندي فدفع الى الحر كتابا من عبيد الله، فاذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به الى الحسين ومعه الرسول، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره، وآخذكم بالنزول في ذلك المكان، فقال له الحسين: دعنا ننزل في هذه القرية نينوى أو هذه (الغاضرية) أو هذه يعنى شفيّة. فقال الحر: والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا. فقال زهير للحسين: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسين : ما كنت لأبدئهم بقتال. فقال له زهير: فسر بنا الى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات، فان منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم، فقال الحسين: وأي قرية هي؟ قال: العقر، فقال الحسين: اللّهم إنّي أعوذ بك من العقر. فنزل بمكانه وهو كربلاء.

الحسین في كربلاء

ذكرت أكثر المصادر التاريخية أن ركب الحسين بن علي وصل الى كربلاء يوم الخميس المصادف للثاني من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة. الا الدينوري حيث ذهب الى القول بانّ الحسین وصل الى كربلاء يوم الأربعاء المصادف لأول يوم من شهر محرم. وليس ذلك ببعيد ولم يزل الحرّ يساير الحسین، وكلمّا أراد المسير، يمنعونه تارة ويسايرونه اُخرى حتّى بلغ كربلاء، فلمّا وصلها، قال: ما اسم هذه الأرض؟ فقيل: كربلاء. فقال: اللهمَّ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء.

وكان علي بن أبي طالب قد مرَّ بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم! فَسُئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمّد (ص)، ينزلون هاهنا!.

وقال الحسين : انزلوا، فها هنا مَحطُّ رحالنا، وسفك دمائنا، ومقتل رجالنا. ثمّ أمر الحسين بأثقاله، فحُطَّت بذلك المكان يوم الخميس الثاني من المحرم من سنة إحدى وستين وقيل يوم الأربعاء، غُرّة المحرّم من سنة إحدى وستين.

وروي أنّ الحسین جمع ولده وإخوته وأهل بيته، ثم نظر إليهم فبكى ساعة، ثم قال: «اللهم إنا عترة نبيك محمد (ص) وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أمية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا، وأنصرنا على القوم الظالمين». ثم أقبل على أصحابه، فقال: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون».

وجاء في بعض الروايات إن أبا عبد الله اشترى الأرض المحيطة بقبره من أهل نينوى والغاضرية بمبلغ ستّين ألف درهم، ودفعها لهم صدقة بشرط أن يدلّوا الناس على قبره ويضيّفون القادم لزيارة قبره لثلاثة.

ولما نزل الحسین وأصحابه كربلاء في الثاني من المحرم كتب الحرّ بن يزيد الرياحي الى عبيد الله بن زياد بالخبر فكتب عبيد الله بن زياد كتاباً إلى الحسين يقول فيه: أما بعد، إنّ يزيد بن معاوية كتب إليَّ أن لا تغمض جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام أو يرجع الحسين على حكمي، أو تقتله والسلام.

فلما ورد الكتاب قرأه الحسين ثم رمى به ثم قال: «لا أفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق».

فقال له الرسول: «أبا عبد الله! جواب الكتاب؟».

قال: «ما له عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب».

فأخبر الرسول ابن زياد بذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب‏ وأمر باعداد الجيش لمحاربة الحسین

وصول عمر بن سعد الى كربلاء

كان وصول عمر بن سعد الى كربلاء في الثالث من المحرّم على رأس أربعة آلاف مقاتل من الكوفيين.

وقد سجل المؤرخون في كيفية تولي عمر بن سعد مهمة محاربة الحسین، بانّه: حينما علم عبيد الله بن زياد بموقف الحسین من كتابه التفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، وقد كان عمر بن سعد قبل ذلك بأيام قد عقد له عبيد الله بن زياد عقداً وولاه الريّ و دستبي وأمره بحرب الديلم، فخرج متوجها إليها ولما بلغ حمام أعين عسكر هناك ومعه أربعة آلاف، فلمّا كان ذلك اليوم استدعاه ابن زياد فقال له: «أريد أن تخرج إلى قتال الحسين بن علي ، فإذا نحن فرغنا من شغله سرت إلى عملك إن شاء الله». فقال له عمر: «أيّها الأمير! إن أردت أن تعفيني من قتال الحسين بن علي فافعل!» فقال: «قد عفيتك فاردد إلينا عهدنا الذي كتبناه لك واجلس في منزلك نبعث غيرك»، فقال له عمر: «أمهلني اليوم، ولما رأى إصراره رضي بالمسير الى كربلاء» وتوجّه بمعيّة الأربعة آلاف في اليوم الثاني نحو كربلاء.

المفاوضات بين الحسین وعمر بن سعد

ما إن وصل عمر بن سعد الى كربلاء حتى أرسل إلى الحسین عزرة بن قيس الأحمسي فقال: «إ ئتهِ فَسَلْهُ ما الذي جاء به، وماذا يريد؟» وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين، فاستحيا منه أن يأتيه!.

فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه، فكلّهم أبى وكرهه!.

فقام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبيّ، فقال: «أنا أذهب إليه، واللّه لئن شئتَ لأ فتكنَّ به!».

فقال له عمر بن سعد: «ما أريد أن يُفتك به ! ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟».

فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قام إليه فقال: «ضَعْ سيفك! فلم يقبل ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر».

فدعا عمر قُرّةَ بن قيس الحنظلي، فقال له: «ويحك يا قُرّة ! إلقَ حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد؟».

فجاء قرة بن قيس حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له.

فقال الحسين: «كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن اقدم، فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم».

فانصرف قرّة إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: «إنّي لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه وقتاله». وكتب إلى ابن عبيد الله بن زياد بذلك. فكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد: «أمّا بعدُ: فقد بلغني كتابك، وفهمتُ ما ذكرتَ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية، هو وجميع أصحابه».

تحشيد المزيد من الجيش ابن زیاد

ولما سرح ابن زياد عمر بن سعد من حمّام أعين، أمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر أن لا يتخلف أحد منهم، وصعد المنبر وقال: «إن يزيد قد زادكم مائة مائة في أعطيتكم فلا يبقينّ رجل من العرفاء والمناكب والتجار والسكان الا خرج فعسكر- مع عمر بن سعد- فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة». ‏ثم استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وخرج حتى عسكر في النخيلة.

جعل الجيش على جسر الكوفة وبعث إلى الحصين بن تميم وكان بالقادسية في أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه.

ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي ومحمد بن الأشعث ابن قيس والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمان المنقري وأسماء بن خارجة الفزاري وقال: «طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية، وحثوهم على الالتحاق بالجيش». وأرسل المنقري في خيل الى الكوفة، وأمره أن يطوف بها، فمن وجده قد تخلف أتاه به. فبنيا هو يطوف في أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفه في طلب ميراث له، فأرسل به الى ابن زياد، فأمر به، فضربت عنقه. فلمّا رأى الناس ذلك خرجوا.

ووجه أيضا إلى الحسين حجار بن أبجر العجلي وشبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن. وكان شمر بن ذي الجوشن أوّل من التحق بعمر بن سعد.

ثم سرّح ابن زياد أيضا زيد (يزيد) بن ركاب الكلبي مع ألفين؛ وحُصَين بن نُمَير السكوني في أربعة آلاف، وابن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ، وحصين بن تميم الطهري مع ألفين ونصر بن حَربة (حرشة) في ألفين من الكوفيين.

ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنا نريد أن نتوجه بك إلى حرب الحسين عليه السلام فجاء ومع ألف فارس. ثم أتبع ذلك بالحارث بن يزيد بن رويم فما زال ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والمئة من المقاتلين الى عمر بن سعد حتى بلغ العدد في اليوم السادس من المحرم أكثر من عشرين ألف رجل. وجعل على الجيش عمر بن سعد.

جلب المزيد من الأنصار للحسین

وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين فقال: «يا بن رسول الله (ص) ههنا حي من بني أسد بالقرب منا أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى الله أن يدفع بهم عنك» قال: «قد أذنت لك»، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه ولما علموا بما جاء به، تبادر اليه رجال الحي. فلما علم ابن سعد بذلك دعا برجل من أصحابه يقال له: الازرق بن حرب الصيداوي، فضم إليه أربعمائة فارس ووجه نحو حي بني أسد، فبينما اولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين في جوف الليل، إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالا شديدا، وعلمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلى حيهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين فخبره بذلك فقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

قطع الماء علی حرم الحسین

وما أن حلّ اليوم السابع من المحرم حتى كتب ابن زياد إلى ابن سعد: «أنْ حِل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة». فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة.

وجاء في بعض المصادر أنّه لما اشتد العطش على معسكر الحسين قيض الحسین أخاه العباس لهذه المهمة وأمره أن يستقي للحرائر والصبية وضم إليه عشرين راجلا وثلاثين فارساً وقصدوا الفرات بالليل، وتقدم نافع بن هلال الجملي باللواء فصاح عمرو بن الحجاج: «من الرجل؟» قال: «جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه». وصاح نافع بأصحابه املأوا أسقيتكم فشدّ عليهم أصحاب ابن الحجاج فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض كقمر بني هاشم ونافع بن هلال الجملي يقاتل فجاؤوا بالماء الى معسكر الحسين .

اللقاء الأخير بين الحسين وعمر بن سعد

لما تكاملت الجيوش في صحراء كربلاء أرسل الحسين عمرو بن قرظة الأنصاري إلى ابن سعد يطلب الاجتماع معه ليلا بين المعسكرين، فخرج كل منهما في عشرين فارسا وأمر الحسين من معه أن يتأخر إلا العباس وابنه عليا الأكبر وفعل ابن سعد كذلك وبقي معه ابنه حفص وغلامه. فقال الحسين : «يا ابن سعد أتقاتلني أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن من قد علمت! ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنه أقرب إلى الله تعالى؟».

ولما امتنع ابن سعد من الاستجابة للحسین وتذرع بحجج واهية منها الخوف من أن تهدم داره وتصادر ضيعته ويحجز ماله. ولما أيس منه الحسين قام وهو يقول: «مالك ذبحك الله ذبحك على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيراً».

ثم تواصلت الحوارات بين الحسین وبين ابن سعد ثلاث او أربع مرات. كتب على أثرها عمر إلى ابن زياد: «أمّا بعد، فإنّ الله تعالى قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الاُمّة ؛ هذا الحسين عليه السلام قد أعطاني أنْ يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أنْ يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أنْ يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لك رضىً وللاُمّة صلاح».

وقد ناقش الكثير من الباحثين والمحققين مضمون ما جاء في كتاب عمر بن سعد حتى ان عقبة بن سمعان الذي لازم الحسین طوال الرحلة قال: «والله، ما أعطاهم الحسين أنْ يضع يده في يد يزيد، ولا أنْ يسير إلى ثغر من الثغور»، ولكنّه قال : «دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أذهب في هذه الأرض العريضة».

فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب، قال: «هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه». فقام شمر بن ذي الجوشن وقال: «أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك؟! والله، لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك، ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، ولكن لينزل على حُكمك هو وأصحابه، فإنْ عاقبت فأنت أولى بالعقوبة، وإنْ عفوت كان ذلك لك». فقال له ابن زياد: «نِعم ما رأيت! الرأي رأيك، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النّزول على حكمي، فإذا فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإنْ أبوا فليقاتلهم، فإنْ فعل فاسمع له وأطع، وإنْ أبى فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه».

وكتب إلى ابن سعد: «إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء، ولا لتعتذر عنه، ولا لتكون له عندي شافعاً، أنظر فإنْ نزل الحسين وأصحابه على حُكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سِلماً، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتُمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مُستحقّون. فإنْ قتلت الحسين فأوطئ بالخيل صدره وظهره، ولستُ أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قولٌ قد قلتُه: لو قد قتلتُه لفعلتُ هذا به. فإنْ أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السّامع المطيع، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا وجُندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمّرناه بأمرنا، والسّلام».

الشمر في كربلاء

وصل الشمر الى كربلاء بعد ظهر يوم الخميس التاسع من المحرم سنة إحدى وستين، وسلّم الكتاب الى عمر بن سعد فلمّا قرأ ابن سعد الكتاب، قال له: ما لك ويلك! لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ. والله، إنّي لأظنّك أنت الذي نهيته أنْ يقبل ما كتبتُ به إليه، وأفسدت علينا أمراً كنّا قد رجونا أنْ يصلح. لا يستسلم والله، حسين؛ إنّ نفس أبيه لَبين جنبيه. فقال له شمر: «أخبرني بما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتُقاتل عدوّه، وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر؟» قال: «لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك دونك».

عرض كتاب الأمان على أبناء أم البنين

روي أنّ عبدالله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة خاطب عبيد الله بن زياد قائلا: «أصلح الله الأمير إنّ بني اختنا مع الحسين فان رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت». فكتب لهم أماناً. فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له كزمان أو عرفان، فلما قدم عليهم دعاهم فقال: «هذا أمان بعث به خالكم»، فقال له الفتية: «أن لا حاجة لنا في أمانكم».

وفي رواية أن الذي قرأ كتاب الأمان هو الشمر بن ذي الجوش فرفض الفتية من أبناء أم البنين الاستجابة لذلك. وفي رواية ثالثة أن الذي طلب من ابن زياد كتاب الامان هو الشمر نفسه وهو الذي قرأه على العباس بن علي بن أبي طالب وإخوته جعفر وعثمان وعبد الله فرفضوا ذلك.

وبعد أن رفض الفتية كتاب الأمان في عصر التاسع من المحرّم نادى يا خيل الله اركبى وأبشرى فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلوة العصر، والحسين جالس أمام بيته محتبياً بسيفه...

وقائع المعركة

في اليوم التالي عبأ عمر بن سعد رجاله وفرسانه فوضع على ميمنة الجيش عمر بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس وكانت قوات الحسين تتألف من 32 فارسا و 40 راجلا من المشاة وأعطى رايته أخاه العباس بن علي وقبل أن تبدأ المعركة لجأ جيش ابن زياد إلى منع الماء عن الحسين وصحبه، فلبثوا أياماً يعانون العطش.

بدأ رماة الجيش الأموي يمطرون الحسين وأصحابه بوابل من السهام وأصيب الكثير من أصحاب الحسين ثم اشتد القتال ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار ولما انجلت الغبرة كان هناك خمسين صريعا من أصحاب الحسين واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وأصحاب الحسين يتساقطون الواحد تلو الآخر واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين وأحاطوا بهم من جهات متعددة وتم حرق الخيام فراح من بقي من أصحاب الحسين وأهل بيته ينازلون جيش عمر بن سعد ويتساقطون الواحد تلو الآخر، ومنهم: ولده علي الأكبر، أخوته، عبد الله، عثمان، جعفر، محمد، أبناء أخيه الحسن أبو بكر، والقاسم، والحسن المثنى، ابن أخته زينب، عون بن عبد الله بن جعفر الطيار، آل عقيل: عبد الله بن مسلم، عبد الرحمن بن عقيل، جعفر بن عقيل، محمد بن مسلم بن عقيل، عبد الله بن عقيل.

بدأت اللحظات الأخيرة من المعركة عندما ركب الحسين جواده يتقدمه أخوه العباس بن علي بن أبي طالب حامل اللواء. إلا أن العباس ذهب إلى بحر العلقمي وهو جزء من نهر الفرات ليأخذ الماء إلى الحسين واصحابه ولكن العباس لم يستطع ان يشرب شربة ماء واحدة إثاراً لأخوه الحسين وسرعان ما وقع صريعا من جنود العدو ولم يبق في الميدان سوى الحسين الذي أصيب بسهم فاستقر السهم في نحره، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسده، وحسب رواية الشيعة فإن شمر بن ذي جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده بضربة سيف كما وانهم جعلو خيلا ً تسمى بخيل الاعوجي تمشي وتسير فوق جسد الحسين بن علي وكان ذلك في يوم الجمعة من عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة وله من العمر 56 سنة. ولم ينج من القتل إلا علي بن الحسين، فحفظ نسل أبيه من بعده.

ارتكتب المعسكر الأموي خلالها أفضح الجرائم وانتهكت الحرمات وسقط الحسين عليه السلام وجميع صحبه وأهل بيته شهداء وسيقت النساء والأطفال أسارى الى يزيد بن معاوية في الشام ومع رءُوس الشهداء مرفوعة على الأسنة.

بعد المعركة

هناك الكثير من التضارب حول التفاصيل الدقيقة لوقائع المعركة وماحدث بعد المعركة ولايوجد مصادر محايدة يمكن الاعتماد عليها ولكن هناك إجماع على أن رأس الحسين قد قطع وتم إرساله مع نساء أهل بيت الحسين إلى الشام إلى بلاط يزيد بن معاوية فبعض المصادر تشير إلى أنه أهان نساء آل بيت نبي الإسلام محمد بن عبد الله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك ولكن هناك مصادر أخرى على لسان ابن تيمية تقول نصا "إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريما بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم" وهذه الرواية يرفضها الشيعة وبعض من أهل السنة.

هنالك أيضا جدل أزلي حول من كان المسؤول عن قتل الحسين، ففي نظر الشيعة والذي يوافق بعض المؤرخين من أهل السنة مثل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن الأثير في الكامل، وابن خلدون في العبر والإمام الذهبي في تاريخ الإسلام فإن يزيد لم يكن ملتزما بمبادئ الإسلام في طريقة حياته وحكمه وكان هو المسؤول الأول عن مقتل الحسين.

أما موقف يزيد المعادي لآل البيت، فهنالك رواية تنفي ذلك طرحا لمختلف الآراء فيذكر الطبري أن يزيدا أرسل رسالة إلى عبيد الله بن زياد قائلا "بلغني أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فضع المناظر (العيون أو المراقبون) والمسالح (جيوش تحمي الطرقات) واحترس على الظن وخذ على التهمة غير لا تقتل إلا من قاتلك". وقيل أيضا أنه اهتم بأهل بيت الحسين وحزن على استشهاده.

اما موقف آخر يدل أن یزید أمر بقتل الحسین في البدایة و هذا هو حین کتب رسالة الی ولید بن عتبة: «أما بعد فخذ حسيناً وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام». ثم أردف يزيد كتابه هذا بكتاب آخر جاء فيه: «أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي».

موضع الرأس

النقطة الأخرى المثيرة للجدل هي الموضع الذي دفن به رأس الحسين بن علي فهنالك العديد من الآراء حول هذا الموضوع منها:

  • أن الرأس دفن مع الجسد في كربلاء وهو مع عليه جمهور الشيعة حيث الاعتقاد بأن الرأس عاد مع السيدة زينب إلى كربلاء بعد أربعين يوما من المقتل أي يوم 20 صفر وهو يوم الأربعين الذي يجدد فيه الشيعة حزنهم.

  • أن موضع الرأس بالشام وهو على حسب بعض الروايات التي تذكر أن الأمويين ظلوا محتفظين بالرأس يتفاخرون به أمام الزائرين حتى أتى عمر بن عبد العزيز وقرر دفن الرأس واكرامه، كما ذكر الذهبي في الحوادث من غير وجه أن الرأس قدم به على يزيد ". وما زال المقام هناك إلى اليوم يزار.

  • أن موضع الرأس بعسقلان وهذا الرأي امتداد للرأي الثاني حيث لو صح الثاني من الممكن أن يصح الثالث والرابع، تروي بعض الروايات ومن أهمها المقريزي أنه بعد دخول الصليبيين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميين أن يبعدوا رأس الحسين ويدفوننها في مأمن من الصليبيين وخصوصا بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوها إلى عسقلان ودفنت هناك.

  • أن موضع الرأس بالقاهرة وهو أيضا امتداد للرأي السابق حيث يروي المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدا كبيرا وهو المشهد القائم الآن بحي الحسين بالقاهرة، وهناك رواية محلية بين المصريين ليس لما مصدر معتمد سوى حكايات الناس وكتب المتصوفة أن الرأس جاء مع زوجة الحسين شاه زنان بنت يزدجرد الملقبة في مصر بأم الغلام التي فرت من كربلاء على فرس.

  • أن موضع الرأس بالبقيع بـالمدينة وهو الرأي الثابت عند أغلب أهل السنة خاصة السلفيين منهم نظراً لرأي ابن تيمية حين سئل عن موضع رأس الحسين فأكد أن جميع المشاهد بالقاهرة وعسقلان والشام مكذوبة مستشهداً بروايات بعض رواة الحديث والمؤرخين مثل القرطبي والمناوي.

  • أن موضع الرأس مجهول كما في رواية قال عنها الذهبي أنها قوية الإسناد: "وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة:

"حدثني أبي، عن أبيه قال: "أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يقال لها ريا حاضنة يزيد بن معاوية، يُقال: بلغت مائة سنة، قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين أبشر فقد مكنك الله من الحسين، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رائحة، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب؟ قالت: إي والله، ثم قال حمزة: وقد كان حدثني بعض أهلها أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث إليه فجيء به وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به."

من الناحية السياسية لم تكن ثورة الحسين على خلافة يزيد آخر الثورات فقد تلاها ثورة في المدينة المنورة التي انتهت بوقعة الحرة ثم ثورة عبد الله بن الزبير ولم تصبح البلاد الإسلامية تابعة بصورة كاملة لحكم الأمويين إلا في عهد عبد الملك بن مروان وبواسطة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي استطاع القضاء على ثورة عبد الله بن الزبير في سنة 73 هـ.

يؤمن البعض من أتباع المذهب الشيعي أن عدد من المعجزات حصلت بعد مقتل الحسين بن علي، فيُقال:

"أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّةِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ شَوْقٍ الْعَبْديَّةُ، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الْأَزْدِيَّةِ، قَالَتْ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ مَلْآنُ دَمًا."

الثورات

ثورة التوابين

الكوفيون دعوا الحسين إليهم وكتبوا له. لم تلبث حماستهم أن خمدت فقتل مسلم وقتل هاني والكوفيون ينظرون وها هو الحسين على أبواب الكوفة قد حط رحاله في كربلاء في ذلك الحين كان الكوفيون ثلاث فئات، فئة قليلة قد كانت فيمن طلب إلى الحسين القدوم إلى الكوفة ووعدته النصر فيمن وعد، وقد قامت هذه الفئة بمناصرته حينما أقبل مجيباً الدعوة، وكان في هذه الفئة حبيب بن مظاهر الأسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهم. فئة أخرى كانت على نقيض الفئة الأولى لا تحفل بعقيدة وهي إذا كانت قد كتبت إلى الحسين فيمن كتب وتحمست لدعوته أشد التحمس وإذا كانت ترى في الحسين رجل الساعة المفرد الذي يخلق بالتأييد والنصرة فلاترى بأساً وقد مالت الكفة مع ابن زياد أن تميل معها وتقاتل الذي دعته لتنضوي تحت لوائه.فئة ثالثة كانت وسطاً بين الفئتين فلا هي نصرت الحسين ولا هي نفرت لقتاله ولكنها انكمشت على نفسها تنكر المنكر بقلبها حتى إذا قتل الحسين ندمت على تركها نصرته وتلاومت فيما بينها ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيراً ومن هذه الفئة انبعثت فكرة الثورة التي عرف رجالها باسم "التوابين".

ثورة المختار الثقفي

كان المختار يطالب بدم الحسين بن علي ورفع شعار يالثارات الحسين وكان موكلاً من محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، فقتل أغلبية من شارك في قتال الحسين بن علي بن أبي طالب، وعلى رأسهم عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وعبيد الله بن زياد، وحرملة بن كاهل الأسدي، وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس الكندي، وسنان بن أبي أنس، والحصين بن نمير، وخولي بن يزيد الأصبحي.

ثورة زيد بن علي

ثورة زيد بن علي هي ثورة قام بها زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، في الكوفة ناحية العراق، ضد الأمويين وحكم هشام بن عبد الملك، وذلك في يوم الأربعاء 2 صفر 122 هـ، وانتهت بالقضاء على ثورة زيد بن علي ومقتله. منذ أن خرج الحسين بن علي سنة 61 هـ على حكم يزيد بن معاوية، حيث استدعاه أهل الكوفة وانتهى هذا الخروج بقتل الحسين ومعظم أهل بيته في كربلاء، ومن يومها وما زال الطالبيون تراودهم فكرة الخروج مرة بعد مرة، ولكن المصاب الكبير وماجرى في معركة كربلاء كان يمنعهم، حتى جاء زيد بن علي زين العابدين بن الحسين.

أثر واقعة كربلاء

اليوم يسلم علماء علم التاريخ والاجتماع بوجود خطر خاص يهدد كل ثورة بعد قيامها وموقعيتها. يحكي لنا التاريخ عن وجود أشخاص كانوا يخالفون الثورة قبل أن توفق وتثمر، ولكن بمجرد أن يئسوا من مخالفتهم، انضموا إليها واكتسبوا صبغتها فأخفوا صورتهم الحقيقية وراء هذه الثورة ويسعى هؤلاء للحفاظ على شكل وظاهر الثورة، بحيث لايتمكن الأشخاص العاديون من فهم أي تغيير جوهري قد يحدث فيها، بينما يحاول هؤلاء في الواقع، تغيير جوهر ولب هذه الثورة ويجرونها في اتجاه الانحراف والفساد. هنا نحتاج إلى أعين ثاقبة النظر وإرادة قوية، نحتاج إلى منظار يدخل إلى الداخل والمضمون، ويتخطى الشكل والظاهر والقشور، للتمكن من إدراك أن ما هو موجود يختلف تماماً عن الواقع والحقيقة.

ويبرز هنا دور ثورة حسين بن علي في تغيير مسار التاريخ الإسلامي، حيث كان أداؤه استمراراً لحركة الإمام علي، عندما أصبح الإمام علي خليفة المسلمين لم يعط أي أهمية للفتوحات ومحاربة الكفار خارج الحدود، بينما أعطى الإمام كل الإهتمام للإصلاح الداخلي، كان الإمام يعتقد بأن الإسلام الذي أصبح في الظاهر واسعاً مترامياً، هو كالعين المتورمة حيث يتحرك في داخله نحو الفساد، فلابد من القيام بعملية إصلاح داخلية. وهكذا أيضاً كانت ثورة حسين بن علي من أجل الإصلاح داخل المجتمع الإسلامي.

من جهة أخرى تعتبر ثورة حسين بن علي من أهم الأحداث التاريخية التي ساهمت في صياغة الثورات التاريخية التي تفجرت على الساحة، بعد حادثة كربلاء، وفي تكوين الخط السياسي العام لمدرسة أهل البيت. ومن هنا لايمكن لباحث في التاريخ أن يتوفر على دراسة تاريخ الحقبة الأموية، ومما عجت به من ثورات وتناقضات واحداث عظيمة، مالم يتناول آثار ثورة حسين بن علي في المجتمع الإسلامي بشكل عام، وفي مجتمع مدرسة أهل البيت الذي تركز وجوده في الكوفة والبصرة، وبعض المدن العراقية الأخرى، وبعض مدن فارس.

أسباب زوال الأمم من وجهة نظر القرآن الكريم

ما هي العوامل التي اعتبرها القرآن الكريم تؤدي إلى زوال الأمم؟ وهل وجدت هذه الإشارات والعوامل في المجتمع الإسلامي، حيث شعر حسين بن علي بالخطر؟ يفهم هذا المعنى من الآية الشريفة: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾(مائده-3)حيث وصل الوضع في أواخر حياة الرسول إلى مستوى يأس العدو الخارجي وأصبح لايشكل تهديداً للإسلام، حيث تشدد الآية الشريفة " لاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ " والمقصود من "اخْشَوْنِ": عليكم أن تخافوا على داخل الأمة الإسلامية من الفساد، حيث يسلب الله تعالى من الأمة بحكم سنته القاطعة: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّىٰ يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم" كل النعم الموجودة.

الظلم

الظلم في القرآن سبب زوال الأمم، وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تحدثت عن الموضوع، مثل الآيات الواقعة بين 100-119 في سورة الهود؛ جاء في إحدى هذه الآيات الشريفة: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ وجاء في آية أخرى:﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ والمعنى: لايمكن أن يفني الله قوماً من دون تقصير، ولا يكون الله ظالماً لهم. كما قال الرسول: «الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم» وجاء في أول سورة قصص: "إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ" ويخاطب علي بن أبي طالب ملك الأشتر قائلاً: وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة ظلم.

الفساد الأخلاقي

الصلاح والفساد الأخلاقي عند الشخص هو الأصل الثاني الذي يمكن استنباطه من القرآن الكريم، وإذا كان المجتمع يتألف من مجموعة أفراد فإن شخصياتهم تتحقق بواسطة الأخلاق والخُلقيات والملكات والفضائل. ويبقى المجتمع ويستمر إذا لم يبتلي أفراده بالفساد الأخلاقي. والفاسد هو الذي اعتاد على الخلاف والإنحراف والقمار والشراب والرشوة وغصب حقوق الآخرين. وتطرح الآية الشريفة التالية حال المترفين: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾(الإسراء-16) فالمترفون يظهرون الفسق والفجور والفساد الأخلاقي في المجتمع، والنتيجة كما توضح الآية الشريفة هي التدمير والهلاك والزوال.

إذاً المجتمع مركّب من مجموعة أفراد، ولايصبح المركّب موجوداً في الطبيعة إلا إذا كانت جميع أجزائه سالمة صحيحة وغير فاسدة. بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون وجود الأجزاء في المركّب بنسب معينة، ليتشكل ما اطلق عليه القدماء المزاج الذي يؤدي إلى وجود حالة جذب وتأثير وتأثر بين الأجزاء. أما إذا كانت أجزاء المركب فاسدة (البناء الذي يشيد بواسطة مواد فاسدة) فإن المركب قد يظهر إلى الوجود لكنه لا يتصف بالاستحكام والثبات، على أساس أن أجزاءه فاسدة. وهكذا إذا كانت الأجزاء والمواد الأولية صحيحة سالمة إلا أن البنّاء والذي يعمل على اتصال الأجزاء ببعضها كان فاسداً فهذا سيؤدي إلى فساد البناء أيضاً.

التفرقة والتشتت

جاء في القرآن: "وأطيعوا الله وَرَسُولَهُ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"(الأنفال:46) قال الطبري: "يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم" الأمة التي تفقد الوحدة فيما بينها، وتبتلي بالتفرقة والتشتت هي أمة ضعيفة، عند ذلك تختفي تلك الرائحة العطرة التي ترتفع من المجتمع الإسلامي الحقيقي. وإن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدول الإسلامية في ذلك الوقت، وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى زوال وفناء واضمحلال المجتمع، فنقرأ في سورة هود: ﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا ممَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾(هود:116) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامل ضروري، مهما بذل الإنسان جهداً من أجل الوقاية إلا أنه يبقى في المجتمع أشخاص يميلون إلى الفساد أو إخراج المجتمع من أجواء العدالة، وهكذا يمكن أن يعود وجود التفرق والتشتت في المجتمع الإسلامي إلى وجود مجموعة من العلل والأسباب. إذاً يفترض وجود حركة أو حالة تأخذ على عاتقها مسؤولية الإصلاح، إذا فسدت الأخلاق هنا يجب أن يسرع الأمر بامعروف والنهي عن المنكر ليكون وسيلة إصلاح الأخلاق، إذا فقدت العدالة والمساواة فعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يسرع لإصلاح المفاسد التي وجدت عن هذا الطريق وهكذا إذا حل التفرق والتشتت فعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يوجد الوحدة من جديد.

كربلاء في الأدب

کربلا في کتب التاریخ

نالت ثورة الحسين بن علي اهتمام الادباء والشعراء والمؤرخين والكتّاب والمفكرين من مختلف البلدان العربية والاسلامية والاجنبية. والمتبحر في بطون الكتب يجد أن امهات الكتب العربية قد غطت ثورة الحسين ومن بينها: (مروج الذهب) للمسعودي، و(تاريخ الامم والملوك) للطبري، و(البداية والنهاية) لابن كثير، و(بحار الأنوار) للمجلسي وغيرها.

کربلا في کتب المَقَاتِل

هناك المئات من الكتب التي أُلفت عن واقعة كربلاء بدأ من القرن الاول الهجري وحتى عصرنا هذا، و هذه إشارة إلى بعضها:

  • كتاب (مقتل الحسين) لأبي القاسم الاصبغ بن نباتة الجاشعي التميمي الحنظلي الذي يعد أول كتاب تناول مقتل الحسين وقد كتبه في القرن الاول الهجري.

ومن بين الاوائل الذين ألفوا كتبا عن استشهاد الحسين:

  • ابواحمد عبدالعزيز بن يحيى بن احمد بن عيسى الجلودي،

  • وابوالحسن علي بن محمد المدائني في القرن الثالث الهجري،

  • وابوالفضل نصر بن مزاحم المنقري العطار المتوفى سنة 212 هـ وغيرهم كثيرون.

وصدرت كتب المقاتل التي تروي ملحمة كربلاء ومن بين اهمها:

  • (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الاصفهاني،

  • و(مقتل الحسين) لأبي مخنف الازدي الذي اعتمد عليه الطبري في تاريخه عن واقعة كربلاء،

  • و(مقتل الحسين) لعبدالرزاق المقرم .

  • وصدر (المجالس السنية) للسيد محسن الامين العاملي ،

  • كما صدر كتاب (نهضة الحسين) للسيد هبة الدين الشهرستاني .

کربلا في التاریخ الحدیث و المعاصر

وتناول في التاريخ الحديث والمعاصر المؤرخ الاوروبي ويل ديورانت في موسوعته المعروفة (قصة الحضارة) موقعة كربلاء موضحا بُعد المأساة حين ذكر في المجلد 13 (13 - 14) النص الآتي: (لما حمل رأس الحسين إلى الكوفة اقبل عبيدالله ينكثه بالقضيب، فقال له احد الحاضرين: «ارفع قضيبك فطال والله ما رأيت رسول الله (ص) يضع فمه على فمه يلثمه».

ومن الكتب الكثيرة الحديثة التي صدرت عن موقعة كربلاء نذكر منها: (في رحاب كربلاء) لحسين كوراني الصادر في العام 1991م،

و(الحسين في الفكر المسيحي) لأنطون بارا،

و(تاريخ كربلاء) لعبدالجواد الكليدار.

وتناول محمد عبده يماني في كتابه (علموا اولادكم محبة آل بيت النبي) موقعة كربلاء وقصة استشهاد الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه في العاشر من محرم سنة 61هـ.

أما احدث الكتب البحثية الاكاديمية التي تناولت بالتفصيل الدقيق واقعة كربلاء، والاساليب المتخذة في بلدان العالم لإحياء ذكرى استشهاد الحسين فهو كتاب (تراجيديا كربلاء) تأليف إبراهيم الحيدري.

کربلا في الشعر و الشعراء

منذ معرکة كربلاء سجل الشعر حضوره، واستطاع الشعراء تسجيل مواقفهم بعداً أو قرباً من تلك المعرکة. واشتهر بعض الشعراء الذين خلدوا واقعة الطف وعلى رأسهم دعبل الخزاعي والكميت بن زيد الاسدي، والسيد الحميري. صدر عن مؤسسة البلاغ (اجراس كربلاء) جمع فيه معده محمد سعيد الطريحي مختارات من قصائد لكبار شعراء العرب المعاصرين ومن بينهم: بدر شاكر السياب، وأحمد الوائلي، وابراهيم العريض، وعادل الغضبان، وعبدالمسيح الانطاكي، ومحمد مهدي الجواهري، ومحمد صالح بحرالعلوم، وهلال بدر البوسعيدي، وادوار مرقص وغيرهم.

كربلاء في نظر الأدباء

جبرا ابراهيم جبرا: ضمن المآسي الكبرى، كمأساة الحسين، تقع أنواع شتى من مآسي الإنسان في جو القيظ والعطش والقسوة والقتل الجماعي وحز الرؤوس، هناك مأساة الجنون البشري، ومأساة الخيانة، ومأساة القتل المجاني، وكذلك مأساة المروءة والفضيلة... الحسين أكبر من الحياة، ولعله لكبره وعلوه خارج الدائرة التي يمكن للمرء ضمنها أن يتوحد مع البطل رغم تطلعه إليه ولذا يكون التعبير الفني عنه قاصراً على مداه الفاعل.

إحياء الذكرى

يحيي الشيعة ذكرى المعركة في كل سنة هجرية ابتدءً من الأول من محرم لحد العاشر من محرم، وقد يصل الإحياء لليوم الثالث عشر، قد يتضمن الإحياء بعض الشعائر مثل إقامة المجالس، وزيارة ضريح الحسين، واللطم والتطبير وغيرها. و یحیی أیضا الأربعين أي اليوم العشرون من صفر والذي يوافق مرور 40 يوم على مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب في معركة كربلاء على يد جيش عبيد الله بن زياد.

مسیرة الأربعین

مسیرة الأربعین تظاهرة شيعية ينطلق خلالها ملايين من الشيعة باتجاه كربلاء لزيارة الحسين بن علي بن أبي طالب في العشرين من صفر من كل عام حيث يتقاطر الشيعة من شتّى المدن والقرى العراقية تشاركهم في ذلك الوفود الكثيرة من أتباع مدرسة أهل البيت من شتّى البلدان كإيران والبحرين والكويت ولبنان وباكستان و...، ويعتبر أکبر تجمع بشري سنوي وأضخم مسيرة راجلة في العالم.

المصدر

روابط ذات صلة

انضر ايضا