سوق الغزل

يحظى «سوق الغزل» الواقع في منتصف شارع الجمهورية ببغداد بشهرة واسعة لم ينافسه عليها سوى اكبر اسواق العراق (الشورجة) الذي يقع على مقربة منه، الا ان الفارق بينهما كبير، فبينما يقدم سوق الأول بضاعة هي جملة من الأعاجيب، فان الثاني مخصص لتجارة المواد الغذائية.

تاريخ سوق الغزل

يعود تاريخ سوق الغزل الى العصر العباسي، وبالضبط الى عهد المستنصر بالله الذي بنى جانب الرصافة من العاصمة العباسية بغداد وربطها بجانب الكرخ بواسطة جسر متحرك كان عبارة عن قوارب مشدودة الى بعضها.

وكان السوق وما يزال يقوم حول مسجد عباسي اطلق عليه اسم «جامع الخلفاء» واشتهر بمنارته (منارة سوق الغزل) التي كانت تعد اعلى منارة في بغداد، ولانها شيدت حسب فن معماري فريد، مغزاه وجود سلمين سريين في داخل المنارة بحيث ان من يصعد الى اعلاها فانه لا يرى النازل منها.

ولبناء هذه المنارة قصة ظريفة، اذ بدأ ببنائها معمار (أسطة) ايراني الا انه لم يكملها بسبب مشاكل مالية تعرض لها مما دفعه الى الهرب الى ايران، فقام باكمال بنائها العامل البغدادي الذي كان يساعده حتى انجزها. وبعد سنوات عاد المعمار الايراني ليرى المنارة وقد اكتمل بناؤها على احسن وجه، فسأل عمن اكملها فاجابه العامل بانه قام ببنائها، وهنا صعد العامل الى اعلى المنارة وطلب من الاسطة ان يتبعه، وعندما وصل المعمار الايراني الى الاعلى لم يجد العامل فنادى عليه، لكن العامل رد عليه من اسفل المنارة حيث نزل بواسطة السلم المزدوج الذي لا يسمح للصاعد بملاقاة النازل، فما كان من المعمار الايراني الا ان اعترف بابداع صبيه، وتعبيرا عن فشله القى بنفسه من اعلى المئذنة التي يوجد توأم لها في جامع بمدينة كركوك.

وكان قيام المسجد قد سبق السوق الذي كان يبيع فيه القرويون الغزول الصوفية كل يوم جمعة، وسرعان ما صاروا يبيعون ايضا البيض والدجاج والحليب ومشتقاته من لبن وجبن وقشطة وسمن. وقد ازدهرت حركة البيع والشراء فيه وتوسع السوق ليمتد حتى الازقة الخلفية التي تقود اليوم الى شارع الكفاح.

اشتهر السوق منذ اكثر من قرنين كافضل مكان لتجارة انواع الحمام الغالية كالزاجل والهنداوي والاشقر وغيرها من الانواع، ثم عرف كمكان لتجارة الطيور النادرة كالببغاوات الناطقة التي كانت تصل عن طريق البصرة قادمة من افريقيا ومن سواحل الكاريبي وكذلك طيور الزينة الملونة التي لم يكن البغداديون يعرفون عنها شيئا، اذ كان العندليب (البلبل) المنتشر في بساتين العراق هو الذي يحظى بتربية وعناية خاصة في البيوت بسبب جمال صوته وقدرته على التآلف.

كما اشتهر سوق الغزل كافضل مكان لبيع ومبادلة الديكة الاصيلة المشهورة بالقتال فيما بينها. وكانت حلبات معارك الديكة تعقد وسط السوق او في باحات المقاهي المحيطة به، حيث يتراهن الحضور باموالهم على احد الديكة، وما تزال حلبات هذه المعارك مزدهرة حتى اليوم.

ومع التطور المدني ازدهرت في السوق تجارة الحيوانات الاليفة او حتى المتوحشة مثل الكلاب وخاصة كلاب الحراسة والزينة والذئاب والثعالب والافاعي والفئران، وما تزال تجارة الطيور النادرة تشهد ازدهارا في هذا السوق العجيب.

بعد عام 1991 وعندما بدأت الظروف الامنية تزداد سوءا انتعشت في سوق الغزل تجارة كلاب الحراسة كما انتعشت اسعارها وبلغت ارقاما خيالية بالنسبة للمواطن العراقي. وعمل الكثير من العراقيين على تربية اصناف نادرة من الكلاب والطيور وعرضها للبيع في سوق الغزل ومنذ وقت مبكر من يوم الجمعة.

وحدث في شتاء عام 1992 ان افتقد احدهم كلبه المفضل الذي كان طليقا في حديقة البيت واستبعد فكرة الذهاب الى الشرطة لتسجيل شكواه التي ما كانت لتهتم اصلا بحادثة فقدان كلب.

لكن احد العارفين بالامور اقترح عليه زيارة سوق الغزل يوم الجمعة التالي وربما يعثر على الكلب هناك. وهذا ما حدث بالفعل، اذ وجد الكلب ذاته معروضا للبيع بسعر مبالغ فيه، لكن صاحب المحل تنازل عن ربع السعر للشاري كونه المالك الاصلي للكلب.

ومنذ الساعات الاولى لصباح يوم الجمعة يسيطر الباعة والزوار على جزء من شارع الجمهورية وهم يعرضون بضاعتهم من طيور وافاع وديكة وببغاوات ناطقة، علما ان غالبية جمهور السوق هم من المتفرجين الدائمين لهذا السوق الغريب.

المصدر

انظر أيضا