المعاهدة العراقية-البريطانية 1930

بدأت المفاوضات العراقية البريطانية حول عقد معاهدة جديدة في 31 آذار 1930،وقد ترأس الوفد البريطاني المندوب السامي (هيمفريز) وضم الوفد المساعد (الميجر بونك) والمستر (ستاجر)،فيما كان الوفد العراقي برئاسة (الملك فيصل) وعضوية (نوري السعيد) و (جعفر العسكري) و (رستم حيدر) وكانت الحكومة تصدر كل يوم بياناً مقتضباً حول مجرى المفاوضات،دون الدخول في التفاصيل حتى جاء يوم 8 نيسان 1930 حين صدر بيان عن الحكومة يقول:- لقد تم الاتفاق بين المفاوضين على ما يلي:-

1-       ان المعاهدة التي تجري المذاكرة فيها الان ستدخل حيز التنفيذ عند دخول العراق عصبة الامم.

2-       ان وضع العراق كما هو مصرح في المعاهدة سيكون وضع دولة حرة مستقلة.

3-       عند دخول المعاهدة الجديدة حيز العمل ستنتهي حالاً جميع المعاهدات والاتفاقات الموجودة ما بين العراق وبريطانيا العظمى،والانتداب الذي قبله صاحب الجلالة البريطانية سينتهي بطبيعة الحال.

وبعد ان اتمت الحكومة عقد المعاهدة مع بريطانيا اصبحت امامها مهمة تصديقها من قبل مجلس النواب،ونظراً لان نوري السعيد لم يكن يستطيع ضمان الاغلبية فقد طلب من الملك اصدار الارادة الملكية بحله واجراء انتخابات جديدة،يستطيع من خلالها تحقيق اغلبية في المجلس الجديد،وهذا ما تم بالفعل،حيث استطاع ان يخرج بمجلس جديد يضمن نية تمرير المعاهدة.

نص المعاهدة

صاحب جلالة ملك العراق،وصاحب جلالة ملك بريطانيا العظمى وايرلندا والممتلكات البريطانية وراء البحار وامبراطور الهند.

لما كانا راغبين في توثيق اواصر الصداقة،والاحتفاظ بصلات التفاهم وادامتها ما بين بلديهما،ولما كان صاحب الجلالة ملك بريطانيا قد تعهد في معاهدة التحالف الموقع عليها في بغداد في اليوم الثالث عشر من شهر كانون الثاني 1926 ميلادية الموافق لليوم الثامن والعشرين من شهر جمادي الآخر سنة 1344 هجرية،بأن ينظر نظراً فعلياً،في فترات متتالية مدة كل منها اربع سنوات،في استطاعته الالحاح على ادخال العراق في عصبة الامم،ولما كانت حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية،قد اعلمت الحكومة العراقية،بلا قيد ولا شرط في اليوم الرابع عشر من ايلول سنة 1929 انها مستعدة لعضد ترشيح العراق لدخول عصبة الامم سنة 1932 واعلنت لمجلس العصبة ان هذه نيتها.ولما كانت المسؤوليات الانتدابية التي قبلها صاحب الجلالة الملك البريطاني فيما يتعلق بالعراق،ستنتهي من تلقاء نفسها،عند ادخال العراق عصبة الامم،ولما كان صاحب الجلالة ملك العراق،وصاحب الجلالة البريطانية،يريان ان الصلات التي ستقوم بينهما،بصفة كونهما مستقلين،ينبغي تحديدها بعقد معاهدة تحالف وصداقة فقد اتفقا على عقد معاهدة جديدة،لبلوغ هذه الغاية،على قواعد الحرية والمساواة التامتين،والاستقلال التام،تصبح نافذة عند دخول العراق عصبة الامم وقد عينّا عنهما مندوبين مفوضين هما:-

عن جلالة ملك العراق: نوري باشا السعيد رئيس الوزراء ووزير الخارجية وعن جلالة ملك بريطانيا العظمى وايرلندا،والممتلكات البريطانية وراء البحار،امبراطور الهند:-اللفتنانت كولونيل السر (هنري هيمفريز) المعتمد السامي لصاحب الجلالة البريطانية في العراق.اللذان بعد ان تبادلا وثائق تفويضهما فوجداها صحيحة فقد اتفقا على ما يلي:-

المادة الاولى

يسود سلم وصداقة دائمين بين صاحب الجلالة ملك العراق وصاحب الجلالة البريطانية،ويؤسس بين الفريقين الساميين المتعاقدين تحالف وثيق ،توطيداً لصداقتهما وتفاهمهما الودي وصلاتهما الحسنة،وتجري بينهما مشاورة تامة وصريحة في جميع شؤون السياسة الخارجية،مما قد يكون له مساس بمصالحهما المشتركة.ويتعهد كل من الفريقين الساميين المتعاقدين بأن لايقف من البلاد الاجنبية موقفاً لايتفق ومعاهدة التحالف هذه،او قد يخلق مصاعباً للفريق الآخر.

المادة الثانية

يمثل كل من الفريقين الساميين المتعاقدين لدى بلاط الفريق السامي المتعاقد الاخر ممثل سياسي (دبلوماسي) يُعتمد وفقاً للاصول المرعية.

المادة الثالثة

اذا ادى نزاع بين العراق ودولة ثالثة الى حالة يترتب عليها خطر قطع العلاقات بتلك الدولة يوحد عندئذٍ الفريقان الساميان المتعاقدان مساعيهما لتسوية النزاع بالوسائل السلمية وفقاً لاحكام ميثاق عصبة الامم ووفقاً لاي تعهدات دولية اخرى يمكن تطبيقها على تلك الحالة.

المادة الرابعة

اذا اشتبك احد من الفريقين الساميين المتعاقدين في حرب،رغم احكام المادة الثالثة اعلاه يبادر حينئذٍ الفريق السامي المتعاقد الاخر فوراً الى معونته بصفة كونه حليفاً وذلك وفقاً لاحكام المادة التاسعة ادناه. وفي حالة حرب محدق يبادر الفريقان الساميان المتعاقدان فوراً الى توحيد المساعي في اتخاذ تدابير الدفاع المقتضية. ان معونة صاحب الجلالة ملك العراق ،في حالة حرب ،او خطر حرب محدق تنحصر في ان يقدم الى صاحب الجلالة البريطانية في الاراضي العراقية جميع ما في وسعه ان يقدمه من التسهيلات والمساعدات ومن ذلك استخدام السكك الحديدية والانهر،والموانئ،والمطارات ووسائل المواصلات.

المادة الخامسة

من المفهوم بين الفريقين الساميين المتعاقدين ان مسؤولية حفظ الامن الداخلي في العراق وايضاً (بشرط مراعاة احكام المادة الرابعة اعلاه) مسؤولية الدفاع عن العراق ازاء الاعتداء الخارجي تنحصران في صاحب الجلالة ملك العراق.مع ذلك يعترف جلالة ملك العراق بأن حفظ وحماية مواصلات صاحب الجلالة البريطانية الاساسية بصورة دائمة في جميع الاحوال هما من صالح الفريقين الساميين المتعاقدين المشترك. فمن اجل ذك،وتسهيلاً للقيام بتعهدات صاحب الجلالة البريطانية وفقاً للمادة الرابعة اعلاه يتعهد جلالة ملك العراق بأن يمنح صاحب الجلالة البريطانية طيلة مدة التحالف موقعين لقاعدتين جويتين ينتقيهما صاحب الجلالة البريطانية في البصرة،او في جوارها وموقعاً واحداً لقاعدة جوية ينتقيها صاحب الجلالة البريطانية في غرب نهر الفرات. وكذلك يأذن جلالة ملك العراق لصاحب الجلالة البريطانية ان يقيم قوات في الاراضي العراقية في الاماكن الانفة الذكر وفقاً لاحكام ملحق هذه المعاهدة،على ان سيكون مفهوماً ان وجود هذه القوات لن يعتبر بأي حال من الاحوال احتلالاً،ولن يمس على الاطلاق سيادة واستقلال العراق.

المادة السادسة

يعتبر ملحق هذه المعاهدة جزءاً لا يتجزً منها .

المادة السابعة

تحل هذه المعاهدة محل معاهدتي التحالف الموقع عليهما في بغداد في اليوم العاشر من شهر تشرين الاول 1922 ميلادية،والموافق لليوم التاسع عشر من شهر صفر 1341 هجرية وفي اليوم الثالث عشر كانون الثاني 1926 ميلادية الموافق الثامن والعشرين وشهر جمادي الاخرة سنة 1344 هجرية،مع الاتفاقات الفرعية الملحقة بها،التي تمسي ملغاة عند دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ،وهذه المعاهدة في نسختين،في كل من اللغتين العربية والانكليزية،ويعتبر النص الاخير المعول عليه.

المادة الثامنة

يعترف الفريقان الساميان المتعاقدان بأنه عند الشروع بتنفيذ هذه المعاهدة،تنتهي من تلقاء نفسها وبصورة نهائية جميع المسؤوليات المترتبة على صاحب الجلالة البريطانية فيما يتعلق بالعراق،وفقاً لاحكام وثيقة دولية اخرى وينبغي ان يترتب على جلالة الملك العراقي وحده،وعلى الفريقين الساميين المتعاقدين ان يبادرا فوراً الى اتخاذ الوسائل المقتضية لتأمين نقل هذه المسؤوليات الى جلال ملك العراق.

المادة التاسعة

ليس في هذه المعاهدة ما يرمي بوجه من الوجوه الى الاخلال،او يخل بالحقوق والتعهدات المترتبة او التي قد تترتب لاحد الفريقين الساميين المتعاقدين وفقاً لميثاق عصبة الامم،او معاهدة تحريم الحرب الموقع عليها في باريس في اليوم السابع والعشرين من شهر آب سنة 1928 ميلادية.

المادة العاشرة

إذا نشأ خلل فيما يتعلق بتطبيق هذه المعاهدة او تفسيرها ولم يوفق الطرفان الساميان المتعاقدان الى الفصل فيه بالمفاوضة رأساً بينهما،يعالج الخلاف حينئذٍ وفقاً لاحكام عصبة الامم.

المادة الحادية عشرة

تبرم هذه المعاهدة ويتم تبادل الابرام باسرع ما يمكن،ثم يجري تنفيذها عند قبول العراق عضواً في عصبة الامم،وتظل هذه المعاهدة نافذة لمدة خمس وعشرين سنة ابتداءاً من تاريخ تنفيذها،وفي اي وقت كان وبعد عشرين سنة من تاريخ الشروع بتنفيذها،على الفريقين الساميين المتعاقدين ان يقوما بناءاً على طلب احدهما بعقد معاهدة جديدة ينص فيها على الاستمرار على حفظ وحماية مواصلات صاحب الجلالة البريطانية الاساسية في جميع الاحوال وعند الخلاف في هذا الشأن يعرض الخلاف على مجلس عصبة الامم.

واقراراً لما تقدم قد وقع كل من المندوبين المفوضين على هذه المعاهدة وختمها بختمه.

ملحق

-فقرة رقم 1

يعين صاحب الجلالة البريطانية،من حين لآخر مقدار القوات التي يقيمها جلالته في العراق وفقاً لاحكام المادة الخامسة من هذه المعاهدة وذلك بعد مشاورة صاحب الجلالة ملك العراق في الامر. ويقيم صاحب الجلالة البريطانية قوات في (الهنيدي) لمدة خمس سنوات،بعد الشروع بتنفيذ هذه المعاهدة،وذلك لكي يتمكن صاحب الجلالة ملك العراق من تنظيم القوات المقتضية للحلول محل تلك القوات،وعند انقضاء تلك المدة تكون قوات صاحب الجلالة قد انسحبت من (الهنيدي). ولصاحب الجلالة البريطانية ان يقيم قوات في الموصل لمدة حدها الاعظم خمس سنوات تبتدئ من تاريخ الشروع بتنفيذ هذه المعاهدة،وبعد ذلك لصاحب الجلالة البريطانية ان يضع قواته في الاماكن المذكورة في المادة الخامسة من هذه المعاهدة،ويؤجر صاحب الجلالة ملك العراق مدة هذا التحالف لصاحب الجلالة البريطانية المواقع المقتضية لاسكان قوات صاحب الجلالة البريطانية في تلك الاماكن.

-فقرة رقم 2

بشرط مراعاة اي تعديلات قد يتفق الفريقان الساميان المتعاقدان على احداثها في المستقبل،تظل الحصانات والامتيازات في شؤون القضاء والعائدات الاميرية (بما في ذلك الاعفاء من الضرائب) التي تتمتع بها القوات البريطانية في العراق،شاملة القوات المشار اليها في الفقرة الاولى اعلاه،وتشمل ايضا قوات صاحب الجلالة البريطانية من جميع الصنوف،وهي القوات التي يمثل وجودها في العراق عملاً باحكام هذه المعاهدة وملحقها،او وفقاً لاتفاق يتم عقده بين الفريقين الساميين المتعاقدين وايضاً يواصل العمل باحكام اي تشريع محلي له مساس بقوات صاحب الجلالة البريطانية المسلحة،وتتخذ الحكومة العراقية التدابير المقتضية للتثبت من كون الشروط المقبّلة لا تجعل موقف القوات البريطانية،فيما يتعلق بالحصانات والامتيازات اقل ملائمة من الوجوه،من الموقف الذي تتمتع به هذه القوات في تاريخ الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة.

-فقرة رقم 3

يوافق جلالة ملك العراق على القيام بجميع التسهيلات الممكنة لنقل القوات المذكورة في الفقرة الاولى من هذا الملحق،وتدريبها واعالتها وعلى منحها التسهيلات استعمال التلغراف واللاسلكي ،التي تتمتع بها عند الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة.

-فقرة رقم 4

يتعهد صاحب الجلالة ملك العراق بأن يقدم،بناء على طلب صاحب الجلالة البريطانية،وعلى نفقة صاحب الجلالة البريطانية،وفقاً للشروط التي يتفق عليها الفريقان الساميان المتعاقدان،حرساً خاصاً من قوات صاحب الجلالة ملك العراق لحماية القواعد الجوية مما قد تشغله قوات صاحب الجلالة البريطانية.وفقاً لاحكام هذه المعاهدة،وان يؤمن سن القوانين التشريعية التي قد يقتضيها تنفيذ هذه الشروط الآنفة الذكر.

-فقرة رقم 5

يتعهد صاحب الجلالة البريطانية ان يقوم عند كل طلب يطلبه صاحب الجلالة ملك العراق بجميع التسهيلات في الامور التالية وذلك على نفقة جلالة ملك العراق:-

1-       تعليم الضباط العراقيين الفنون البحرية والعسكرية والجوية في المملكة المتحدة .

2-       تقديم الاسلحة والعتاد والتجهيزات والسفن والطائرات من احدث طراز متيسر الى قوات جلالة الملك.

3-       تقديم ضباط بريطانيين مجربين عسكريين وجويين للخدمة بصفة استشارية في قوات جلالة ملك العراق.

-فقرة رقم 6

لما كان من المرغوب فيه توحيد التدريب والاساليب في الجيشين العراقي والبريطاني،يتعهد جلالة ملك العراق بأنه اذا رأى ضرورة الالتجاء الى مدربين عسكريين اجانب فأنهم يختارون من الرعايا البريطانيين. ويتعهد ايضاً بأن اي اشخاص من قواته من الذين يوفدون الى الخارج للتدريب العسكري يرسلون الى مدارس وكليات ودور تدريب عسكرية في بلاد جلالته البريطانية ،بشرط ان لا يمنع صاحب الجلالة ملك العراق من ارسال الاشخاص الذين لايملكون قبولهم في المعاهد ودور التدريب المذكورة في اي بلد آخر.

ويتعهد ايضاً بأن التجهيزات الاساسية لقوات جلالته واسلحتها لاتختلف في نوعها عن اسلحة قوات صاحب الجلالة البريطانية وتجهيزاتها. ويوافق جلالة ملك العراق على ان يقوم عن طلب صاحب الجلالة البريطانية ذلك بجميع التسهيلات الممكنة لمرور قوات صاحب الجلالة البريطانية من جميع الصنوف العسكرية عبر العراق،لنقل وخزن جميع المؤن والتجهيزات التي قد تحتاج اليها هذه القوات اثناء مرورها في العراق وتتناول هذه التسهيلات استخدام طرق العراق وسككه الحديدية،وطرقه المائية،وموانئه ومطاراته ويؤذن لسفن صاحب الجلالة اذناً عاماً في زيارة شط العرب بشرط اعلام صاحب الجلالة ملك العراق قبل القيام بتلك الزيارة للموانئ العراقية.

وقبل ان يعرض نوري السعيد هذه المعاهدة في مجلس النواب لجأوا الى تأليف حزب سياسي ضم العناصر التي رشحها في الانتخابات لتكون سنداً له في تصديق المعاهدة فكان (حزب العهد). وفي 4 تشرين الاول 1930 اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على المعاهدة،وتم دعوة مجلس النواب الى الاجتماع في 16 تشرين الاول،واتُخذت اجراءات امنية واسعة مشددة.

وفي اليوم المقرر لمناقشة المعاهدة من قبل مجلس النواب تقدم نوري السعيد الى المجلس بالاقتراح التالي:

(لما كانت نصوص المعاهدة مع بريطانيا المنعقدة في 30 حزيران 1930 قد نُشرت للرأي العام منذُ مدة طويلة،وكانت انتخابات مجلس النواب قد جرت على اساس استفتاء الشعب فيها،اقترح على المجلس الموقر ان يوافق على المذاكرة فيها بصورة مستعجلة). وقد تمت الموافقة على الاقتراح من قبل رئيس المجلس،وتم طرح المعاهدة،وبعد نقاش للمعارضة استمر 4 ساعات تم التصويت لصالح المعاهدة من قبل 69 عضواً فيما رفضها 13 عضواً وتغيب 5 اعضاء عن الحضور،بالمعاهدة.وقد كان جعفر ابو التمن وناجي السويدي وياسين الهاشمي هم ابرز اقطاب المعارضة.

المصدر