ابراهيم كبه
حياته
ابراهيم كبة غني عن التعريف . من مواليد 1919 في النجف . ترعرع في بيئة وطنية دينية وتتلمذ على يد خاله الشيخ محمد مهدي كبة الذي لعب ادواره السياسية في العهد الملكي واستوزر اكثر من مرة الا انه كان مع كامل الجادرجي قطبي المعارضة المحافظة الوطنية العراقية ضد السياسات البريطانية والاحلاف ، وتزعم حزب الاستقلال . وكان محمد كبة عضو في مجلس السيادة بعد ثورة 14 تموز 1958 .تشرب ابراهيم كبة بالحس الوطني وتأثر بأفكار جعفر ابو التمن والحزب الوطني قبل سفره خارج العراق الى حد كبير واكتسب منه دور الجماهير كصانعة للتاريخ وأهمية الدفاع عن النقابات المهنية ورعاية مصالحها المختلفة واهمية الحياة الحزبية التي كانت قد الغيت بفتوى ملكية عام 1934 .. وهو العام الذي نهض فيه الحزب الشيوعي العراقي كحزب للوطن الحر والشعب السعيد متمردا على الارادة الملكية من جهة وعلى الاحزاب الافراد وضيق اهدافها وابتعادها عن الجماهير من جهة أخرى .... الا ان الحرب العالمية الثانية وسيادة المباديء الفاشية في العالم ونهوض وانتعاش الحركة الديمقراطية العالمية من بعد كانت الفيصل الحاسم في بلورة وصياغة منهج ابراهيم كبة الفكري الاشتراكي الماركسي . فقد عاصرها بتماس مباشر متنقلا بين العواصم الاوربية والعربية وبالأخص باريس ولندن ومدريد والقاهرة وشارك في عضوية الحلقات العراقية الماركسية في العاصمة الفرنسية . وفي القاهرة ربطته ب ( حدتو – الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني المصرية ) وشائج وطيدة ....
تابع ابراهيم كبة وهو خارج العراق اخبار وطنه وسيطرة الروح الدكتاتورية واشغال الجيش بالسياسة الفردية وتفشي مظاهر الفساد في جميع أجهزة الدولة ، وسيادة الروح القومية الضيقة الشوفينية في سياسة التعليم والثقافة العامة ، والاهتمام بالمظاهر دون اللباب في التربية القومية ، وتشريع القوانين المعادية للديمقراطية والاتجاهات الشعبية والمثبتة للإقطاع والقوى الرجعية الأخرى ( تعديلات قانون العقوبات المتصلة بجرائم الأمن العام ، واصدار القوانين المتصلة بالصحافة ، وتشريع وتطبيق الأحكام العرفية المختلفة ، واصدار قوانين التسوية والقوانين الأخرى المتصلة بمشكلة الأرض الخ …) . كما تابع بتمعن حركة الطبقة الجديدة التي خلفها الاستعمار الانكليزي من أبناء المدن من كبار رجال السياسة وابناء العائلات الكبرى والتي أرتبطت مصالحها الاقتصادية مباشرة بمصالح الانكليز عن طريق تكوين الشركات المالية الكبرى المرتبطة بروؤس الأموال الأجنبية ، والمعتمدة في نشاطها المالي على الأسواق و روؤس الأموال الاستعمارية .
عاد ابراهيم كبة الى بغداد عام 1952 وقد ناهضته السلطات الملكية _ السعيدية وطاردته في العمل والسكن . أثناء ذلك ساهم كبة في صياغة ميثاق جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 وكان على صلة مباشرة بالحركة الديمقراطية العراقية .
استوزر ابراهيم كبة في اول حكومة وطنية بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة وتولى حقيبة التجارة كما تولى حقائب وزارية أخرى بالوكالة كالنفط والاصلاح الزراعي ... وكان له الفضل الاول في كسر القطيعة الاقتصادية مع البلدان الاشتراكية وبالاخص الاتحاد السوفييتي والمانيا الديمقراطية والصين الشعبية .. واستقبلته الجموع الحاشدة بشعار ( ابراهيم كبة للأمام ... ديمقراطية وسلام ). الا ان تردد السياسة القاسمية في حقل الحريات العامة وبناء أسس المجتمع المدني الحديث وإطالتها الفترة الانتقالية ، وتأخير تشريع الدستور الدائم ، وتسييرها ماكنة الدولة على يد نفس الجهاز الإداري خريج المدرسة الملكية في قمع الشعب ... دفعت كبة لتقديم استقالته اكثر من مرة وجوبهت برفض الزعيم عبد الكريم قاسم ... حتى اواسط عام 1960 . في هذه الفترة شارك كبة بهمة في حركة انصار السلام والعمل الاكاديمي التدريسي والبحثي في جامعة بغداد .. وارتبط تنظيميا بالحزب الشيوعي وكان من دعاة تشديد الصيانة الحزبية وارساء المركزية الديمقراطية على اسس وطيدة بحكم استقواء اعداء الشعب وبالاخص زمر البعث والرجعية واتسمت شخصيته بالحزم اللامتناهي والصرامة التي يشهد عليها القاصي والداني ، العدو والصديق ..
اعتقاله
اعتقل بعد 8 شباط الاسود وتنقل في معتقلاته بين مركز شرطة المأمون حيث شهد اعدام الشهيد متي الشيخ ، وبين الموقف المركزي رقم 1، وسجن نقرة السلمان ، ومعسكر الرشيد ... وعرضته شاشة تلفزيون بغداد في لقاء مقتضب ردا على الحملة العالمية التضامنية لأطلاق سراحه وبالاخص الوسائل الاعلامية السوفييتية .
دافع ابراهيم كبة عن ثورة 14 تموز امام المحكمة العسكرية بنفسه في وثيقة تاريخية فريدة من نوعها ، نشرت فيما بعد في كتاب (هذا هو طريق 14 تموز - دفاع ابراهيم كبة امام محكمة الثورة ) وحكم عليه بالسجن 10 سنوات مع الاشغال الشاقة ثم اطلق سراحه عام 1965 في عفو رئاسي. بعد ذلك عاود كبة التدريس الجامعي في مادة الاقتصاد السياسي – تاريخ الفكر الاقتصادي في جامعتي بغداد والمستنصرية . وبادر ابراهيم كبة لنشر دفاعه عن ثورة 14 تموز مجددا عام 1966 بسبب استشراء الفكر الرجعي في العراق آنذاك وتزييفه جميع أحداث التاريخ القريب ، وتركيزه خاصة على تزييف أحداث ثورة تموز المجيدة في جميع معطياتها وجوانبها المختلفة ، وانبعاث جميع حملات الكذب والمسخ والافتراء ، التي حاول الدفاع تفنيد المهم منها على الأقل.
المسألة الاجتماعية
في ايلول 1966 رفع ابراهيم كبة ومحمد سلمان حسن ومصطفى علي وعبد الوهاب محمود مذكرة الى ناجي طالب ( رئيس الوزراء ) ابرزت حقيقة الحقائق... وهي ان المسألة الأساسية في الوضع العام في العراق بعد نجاح ثورة 14 تموز في دك النظام الملكي الاستعماري وإزالة قشرته السياسية ، تمحورت حول المسألة الاجتماعية ، أي مسألة الثورة الاجتماعية التي نضجت مستلزماتها الموضوعية اي ديناميكية الصراع الطبقي الاجتماعي ، وبالتالي ، السياسي ، بعد ان كان المحور قبل تموز يدور حول المسألة الوطنية . وفي 3/8/1968 اي بعد ايام قلائل من الانقلابات البعثية قدم كبة مذكرة للنشر الى صحيفة التآخي .. لكنها ترددت في نشرها بعنوان (نصيحة للحكام الجدد _ من اجل حل سلمي لأزمة الحكم في العراق) عرج فيها الى حكم البعث الثاني ومسألة الشرعية وعرض مهام الحكومة الجديدة والاخطاء التي يجب تجنبها وفكرة المراحل الثلاث . مرحلة الحكم الانقلابي ، مرحلة الحكومة الائتلافية المؤقتة ، ثم أخيرا مرحلة حكومة الاتحاد التقدمي ، وان يباشر الحكام الجدد على الفور ومن دون تلكؤ بأداء مهام المرحلة الأولى وذلك بإطلاق الحريات الديمقراطية وعلى رأسها حرية النشاط الحزبي للقوى السياسية الفعالة في المجتمع ، والإقلاع نهائياً عن مفهوم الحزب الواحد او الحزب القائد ، والتخلي عن أسطورة الوصاية على الجماهير او الانفتاح الصوري على بعض القوى الأخرى ، وذلك تمهيداً لعقد حوار حقيقي ومفتوح مع جميع القوى المعادية للاستعمار والإقطاع والاستغلال ،من اجل صياغة منهاج عام مشترك يكون أساسا لتأليف ( جبهة اتحاد تقدمي ) تنبثق عنها عن الانتخابات العامة (حكومة اتحاد تقدمي ) تتصدى لحل المشاكل الأساسية للبلاد وتقود عملية التطور الاجتماعي والسياسي وفق المراحل العلمية المعروفة في علوم السياسة والاجتماع . وختم مذكرته ب( هذه نصيحة خالصة أقدمها للحكام الجدد ليثبتوا جدارتهم بتحمل المسؤولية وليقدموا ربما الفرصة الأخيرة لانصار الحل السلمي والمصالحة الوطنية والجبهات العريضة ، بعد أن بلغت التناقضات الاجتماعية في قلب المجتمع حدود الانفجار الثوري . إن الفرصة مؤاتية فاغتنموها قبل فوات الأوان و( قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين).)
حارب البعث الفاشي ابراهيم كبة وأحاله على التقاعد عام 1977 وبذل الجهد لتقزيمه منذ استلامه السلطة 1968 وأرسل له الوفود أفرادا وأفواجا لأستمالته في اعادة كتابة التاريخ العراقي المعاصر من وجهة النظر الصدامية والقومية المتطرفة، واتخاذ مواقف استسلامية خضوعية، والانصياع لمشيئة البعث الفاشي ، وتركيع افراد عائلته وتشويه سمعته دون جدوى ... وظل ابراهيم كبة وفيا لمبادئه في الفكر المادي الاصيل والاشتراكي العلمي والماركسي والديمقراطي ... وبقي في شيخوخته حبيس الضغوطات الدكتاتورية المنهالة عليه من كل حدب وصوب وذكريات الماضي البعيد والقريب وذكرى رفاقه واصدقاءه الذين رحلوا وغيبتهم زنازين الاعدام والسجون والنسيان ..
لكنه خلف لنا خزين من المؤلفات والترجمات منها لا على سبيل الحصر :
أزمة الفكر الاقتصادي _ 1953
معنى الحرية _ 1954
تشريح المكارثية _ 1954
الاقطاع في العراق _ 1957
حول بعض المفاهيم الاساسية في الاشتراكية العلمية – 1960
انهيار نظرية الرأسمالية المخططة _ 1960
الماركسية والحرب الامبريالية _ 1960
البراغماتية والفلسفة العلمية _ 1960
ماهي الامبريالية _ 1961
تشريح الكوسموبوليتية _ 1961
هذا هو طريق 14 تموز _ 1969
دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي _ 1970
الرأسمالية نظاما _ 1972
مشاكل الجدل في الرأسمال لماركس _ 1979
والعشرات من المقالات في الثقافة الجديدة ، الاقتصاد والعلوم السياسية ، الاقتصاد ، مجلة الجامعة المستنصرية ، الاقتصادي ، الاقلام ، الثقافة ، المثقف العربي ، .....
توفى ابراهيم كبة الساعة التاسعة صباحا الثلاثاء 26 /10 /2004 والمصادف 12 رمضان اي في نفس الشهر الهجري الذي شهد انقلاب 1963 وقبل يومين من موعده .
المصدر
وصلات
سلام إبراهيم عطوف كبه – الحوار المتمدن