سعاد الهرمزي

حياته

سعاد الهرمزي، إذاعي متميز في مجمل الفنون الإذاعية ،وناقد موسيقي بارز وصحفي لامع . ولد في كركوك عام 1927 ،وهو نجل القائمقام المتقاعد والصحفي القدير صاحب جريدة (الآفاق) الكركوكية التركمانية،الأستاذ شاكر ضياء الدين الهرمزي الذي توفي بتاريخ 6/11/1970 .وهو ينتمي إلى عائلة (الهرمزي) التركمانية المعروفة ،التي أنجبت خيرة رجالات التركمان من الأدباء والشعراء والمفكرين أمثال المرحوم ناجي آغا الهرمزي والمرحوم الشاعر رشيد عاكف الهرمزي والكاتبان الشقيقان المعروفان حبيب وأرشد الهرمزي والأديب الشاعر قحطان الهرمزي ورائد المسرح التركماني عصمت الهرمزي .

أكمل سعاد الهرمزي دراسته المتوسطة في كركوك . بعد تخرجه من معهد التدريب الإذاعي في القاهرة ،عاد إلى العراق ليعمل مساعدا للمراقب العام في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون ورئيسا للمحررين في وكالة الأنباء العراقية منذ عام 1948 ،ولم ينقطع عن العطاء حتى وفاته في 1998 .

أهتم سعاد الهرمزي بترصين اللغة العربية في مستهل حياته وعمل صحفيا ورئيسا لتحرير جريدة ( الآفاق) الكركوكية وهو لا يزال في العشرين من عمره .وهي صحيفة اسبوعية كانت تصدر باللغتين العربية والتركمانية . مارس سعاد الهرمزي النقد السينمائي في عدد من الصحف والمجلات العراقية .وقد ساهم في المهرجان الدولي للموسيقى في بغداد عام 1964 ومهرجان السينما الدولي باستانبول .وكانت له علاقات متميزة ومتينة مع الفنانين والكتاب الكبار من أمثال الموسيقار محمد عبدالوهاب والشاعر محمود حسن اسماعيل والكاتب سلامة موسى.

أنجز كتبا عديدة أهمها

ـ خواطر الأيام ، جزأن .

ـ أصوات لا تنسى ، خمسة أجزاء .

ـ من الذاكرة ، ثلاثة أجزاء .

ـ موسوعة الفنانين ، ثلاثة أجزاء .

في بداياته بالقصة قبل ان يتوجه للعمل الإذاعي ، إلا أنه سرعان ما توقف عن كتابتها بعد عمله في إذاعة بغداد. وهو يقول في هذا الصدد :

" القصة تحتاج إلى نفس طويل ومشاعر وانسجام .وأنا قصير النفس مع إني كتبت قصة ( البؤرة) والتي نالت الجائزة الأولى في مسابقة أجرتها مجلة ( القصة ) المصرية .بعد متابعة بعض القصص الأقل جودة ،حصلت لي القناعة بترك هذا الميدان والاتجاه إلى العمل الإذاعي " .

يعتبر برنامجه الإذاعي ( من الذاكرة) ، وهو برنامج موسيقي غنائي يتناول سيرة عمالقة الموسيقى العربية ،وتحلل بعين الناقد إنجازاتهم الغنائية .كما كان يهتم بأساطين العناء العراقي من أمثال : سليمة مراد ومحمد القبانجي وناظم الغزالي وعفيفة اسكندر ويوسف عمر.

يقول عنه الفنان العراقي الكبير يوسف العاني

في مقال له نشر في مجلة ( الف باء) العراقية وفي صفحة فنون ، تحت عنوان (سعاد الهرمزي من الذاكرة ) جاء فيه : " صباح الاثنين 12/1/1982 جاءني النبأ .كنت قد خرجت من الدار بعد عشرين يوما من معاناة المرض الذي لا أحبه وأتحداه دائما صباح الاثنين ..جاءني النبأ ..وقفت وقفة حزن وأسى وخشيت أن أبكي ..لا أدري لماذا هذه الخشية ؟لا أدري ربما لأننا ماعدنا نلحق لوداع من نحب واحدا بعد واحد.وربما لأن لحظات الصمت أحيانا أعمق تعبيرا من كل الدموع وأبلغ منها..لكن الصورة راحت تتداعى من الذاكرة . قبل سنوات كتب لي (سعاد) كارتا يحمل اسمه في جلسة فنية أقامتها نقابة الفنانين كلمات محبة ووفاء ..قبلته وقلت له : يا سعاد قليلون الذين مكثوا في الأرض بصلابة الإنسان الذي نحلم به ونفخر ..أنت واحد من هؤلاء .. التفت إلي وكانت الدموع تملأ عينيه ولم يقل كلمة.

بعد أشهر التقيته أمام دار الإذاعة على الرصيف المقابل ،واقفا .كان مترددا في الذهاب إليها ..ينظر فقط ولا يتحرك ..بعد ان سلمت عليه .سألته :هل أعاونك على العبور ؟ ..أمسك بيدي وقال بصوت متهدج ،عصي عليه توضيح الكلمات ..ليست المشكلة في عبوري .المشكلة في أن أكون هناك..وأشار الى دائرة الإذاعة والتلفزيون..كيف أكون هناك وأنا بلا مكان ولا موقع ولا صوت ؟ ضحكت بتكلف واضح وكأنني لم أدرك ما كان يريد .أمسكت به توجهنا إلى دائرة الإذاعة والتلفزيون. وعند الاستعلامات رحب به الجميع ،وتركته محاطا بهم في طريقه إلى داخل الإذاعة.

بقيت أسأل عن صحته وكان آخر لقائي مع ولده (ضياء) وهو يتسلم جائزة تكريمية من السيد وزير الثقافة والإعلام قبل أسابيع. ويوم الاثنين وصلني النبأ .لقد ودع سعاد الحياة .ولكنه ما ودع وهو في آخر رمق ،ذلك التاريخ الحافل والمؤثر ،ما ودع (المايكروفون ) عشقه الكبير منذ أن كان يحدو في درب الإذاعة ومعه السينما.كان كاتبا ومتابعا وناقدا يلاحق الحركة الفنية داخل العراق وعبر البلاد العربية والعالم. ظل يقرأ الكثير ويستمع إلى كل الإذاعات ويشاهد آخر صرعات السينما محاولا اللحاق بالجديد الآتي وكأنه يسابق الزمن ..

وكان صوته يعبر عن كل تلك الطموحات عبر ذلك المعشوق ( المايكرفون) وعبر ما يكتب وينشر . يوم الاثنين 12/1/1998 بقيت ساكنا ..آثرت العودة إلى داري ..إلى فراش المرض لأستل القلم وبضع أوراق نقية بيض مثل قلب سعاد الهرمزي ،وأكتب سطورا من الذاكرة عساها تشفع لي عن عدم قيامي بفروض وواجبات وداعه .. عساها .. وحين يغيب سعاد الهرمزي ، صاحب الأوصاف الحميدة التي تذكر قبل أن يذكر اسمه ،هل يكفي أن نستعيده ( من الذاكرة ) ؟ وأية ذاكرة تلك التي كانت خزين محبة وصندوق حكايات حلوة لا تنضب وتعبير وفاء .ما كان ينسى فيه أحدا من الخالدين أو المبدعين أو الطيبين .." .

وبغياب الهرمزي ، انطوت صفحة ناصعة من الحب والعمل الدؤوب في خدمة شعبه وثقافته وتراثه .ولقد أدى الراحل العزيز دوره كاملا ،فحق علينا أن نحتفي بإنجازاته الفنية ..رحم الله (أبا ضياء) رحمة واسعة وجزاه خير جزاء .

المراجع

ـ مجلة كل العرب المصرية ، العدد 389 /شباط ـفبراير/ 1990 .

ـ مجلة (ألف باء) البغدادية ، العدد 1532 ، السنة الثلاثون ، 4 شباط 1998 .

المصدر