قانون شركة النفط الوطنية خطوة للخلاص/2018
قانون شركة النفط الوطنية
خطوة للخلاص من سلبيات الدولة الريعية
عدنان الجنابي
لربما كان كارل ماركس أول من لفت النظر إلى ما أسماه "الرأسمالية الريعية". وكان يقصد ظاهرة إقتصادية- إجتماعية، يصف من خلالها طبقة رأسمالية غير منتجة إقتصاديا. ودخلها لا يتأتى من إنتاج البضائع والسلع بل من خلال إمتلاك مصادر الريع، مثل الأراضي والعقارات المؤجرة وحتى الأسهم والسندات. وفي علم الإجتماع يستعمل التعبير للإستدلال على الطبقات الطفيلية غير المنتجة.
وحسب علمنا، فإن أول من ربط بين مفهوم الريع بالدولة تحت مسمى الدولة الريعية (Rentier State) هو حسين مهدوي في بحثة الموسوم "نمط ومشاكل التنمية الإقتصادية في الدول الريعية – حال إيران" والذي نشر عام 1970.
وشخص مهدوي طبيعة الدولة الريعية في أنها الدولة التي تعتمد بالدرجة الأولى على دخل ريعي يأتي من مادة اولية (النفط). والدولة بهذه الحالة تعتمد على دخل مستديم يأتي من الخارج. وهذه الوضعية تتجسد في الدول النفطية النامية والتي لا يشارك الإقتصاد المحلي فيها بشيء يذكر في إنتاج النفط أو تصنيعه.
ومن صفات الدولة الريعية عند حسين مهدوي الميل إلى التضخيم في حجم الدولة وحجم القوات الأمنية والمسلحة والميل إلى الدكتاتورية.
وقد طور حازم ببلاوي هذا المفهوم وشخص أربع خصائص رئيسية تشترك فيها الدول الريعية في العالم العربي:
1- الدخل الريعي هو الدخل السائد في الإقتصاد.
2- يتأتى الريع من الخارج بحيث لا يحتاج الإقتصاد المحلي إلى قطاع إنتاجي قوي.
3- تشكل الأيدي العاملة المشغلة في تحقيق الريع نسبة قليلة من مجموع القوى العاملة.
4- تكون الدولة (الحكومة) هي المتلقي الرئيسي للريع الخارجي.
ومن الصفات الملازمة للدولة الريعية أن تكون الدولة هي المشغل الرئيسي للناس، مما يجعلها بيروقراطية متضخمة وغير كفوءة. وفي مثل هذة الظروف يصعب ظهور مجتمع مدني نشيط. وبالتالي لايكون هناك دافع للتطور نحو الديمقراطية. لم تظهر الديمقراطية التمثيلية (representative democracy) دفعة واحدة ناضجة بتجلياتها وشموليتها التي نشاهدها اليوم في الدول التي ترسخت فيها الديمقراطية الغربية، كما أن الديمقراطية المثالية غير سهلة المنال حتى اليوم. فلا تزال بعض الديمقراطيات تحرم فئات مهمة، مثل النساء أو الأقليات، وبعض الحقوق والإمتيازات في المشاركة بإدارة الدولة.
ولكن، وحتى الدكتاتوريات الإقطاعية في القرون الوسطى، وفي الأمبراطوريات العربية والإسلامية، كان هناك نوع من التعايش بين الحاكم والمحكوم. فالحاكم يحتاج إلى قبول المحكوم بدفع الخراج، أو الإتاوة، أو الضريبة، لكي يستطيع الصرف على إدارة الدولة وجيوشها وخدماتها.
الدكتاتورية ملازمة للدولة الريعية
تعتبر المكسيك وفنزويلا من أعرق الدول النفطية منذ نهايات القرن التاسع عشر. ولعبت الإيرادات النفطية المتأتية من الخارج دوراً هاماً في تغذية الميل نحو الدكتاتورية في كل منهما. إلا أن الدخل الريعي القادم من الخارج لم يكن هو المهيمن على الإقتصاد المكسيكي. فنرى في هذا البلد ان التقلب بين الديمقراطية والدكتاتورية يتزامن مع زيادة أو نقصان حصة النفط في صادرات المكسيك تبعاً لتقلبات الإنتاج من خلال القرن الماضي. وبالعكس، فإن الدخل الريعي بقي مسيطراً على الإقتصاد الفنزويلي، مما جعلها حتى اليوم تميل للدكتاتورية. ودفع تضخم الدولة وفسادها المحتوم ببابلو بيريز الفونسو، المهندس المؤسس لمنظمة أوبك إلى القول (سيجلب النفط علينا الخراب). وهكذا نجد فنزويلا اليوم من أكثر دول أمريكا اللاتينية تخلفاً وإضطراباً رغم ثروتها الهائلة.
في دول العالم الثالث النفطية، عندما يدخل الريع الخارجي في جيب حاكم بلد فقير في كل شيء، يميل الحاكم إلى شراء الناس بالفلوس بعد أن يبقي في خزائنه الشيء الكثير. ويتعطل الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي لسهولة سد جوع المجتمع الإستهلاكي بالإستيراد. فليس من مصلحة الحاكم ظهور طبقات صناعية وزراعية ذات نفوذ مستقل تصبح منافسة له. وتميل الدولة الريعية الى إتباع النمط الإشتراكي المشوه (رأسمالية الدولة) وتقيم مشاريع وهمية او عديمة الجدوى الاقتصادية. والأمثلة كثيرة في جميع الدول الريعية. والعراق كان ولا يزال يزخر بهذا النموذج الفاسد من الإستثمار الحكومي الفاشل.
حصة البترول في صادرات بعض الدول النامية
أكثر من 80%
الجزائر
نايجيريا
قطر ( مع الغاز)
ليبيا
السعودية
الكويت
العراق
إيران
انغولا
كازاخستان
الإمارات
حوالي 50%
اليمن
السودان (قبل التقسيم)
سوريا ( قبل الحرب الاهلية)
أقل من 20%
المكسيك
ماليزيا
أندونيسيا( مستورد)
عند النظر إلى تصنيف الدول حسب إعتمادها على العوائد المتإتية من صادرات النفط، نلاحظ أن الدول النامية المصدرة للنفط تنقسم إلى قسمين. فالدخل الريعي المتأتي من الخارج، يؤدي إلى إعتماد الحاكم على المال لتصفية منافسيه من الطبقات الوسطى ويجعل البلد خال من الأنشطة الصناعية أو الزراعية عدا المدعومة داخلياً والمعتمدة على إعانات الدولة.
ومن أهم الإستنتاجات الواضحة في التصنيف، أن الدول التي تعتمد على صادرات النفط تميل بدون إستثناء إلى الإبتعاد عن الديمقراطية، كما أنها دول فاشلة كنماذج للتنمية رغم إرتفاع عائداتها بالعملة الأجنبية. وكان الإقتصاديون في السابق يعتقدون أن عدم توفر العملة الأجنبية كان من أهم عوامل التخلف الإقتصادي في العالم الثالث. إلا أن تجربة النصف الثاني من القرن العشرين أثبتت أن الدولة التي تمتلك الحصة الأكبر من العملات الأجنبية هي الأكثر فشلاً في التنمية. وبرزت نماذج تنموية ناجحة مثل ماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ (وحتى دبي) لم تعتمد في البداية على وفرات داخلية للعملة الأجنبية (الصعبة). ودخلت الصين والهند كنماذج تعتمد على الإنفتاح وإجتذاب الإستثمار الأجنبي المباشر (D.F.I.) كمحرك للتنمية وتطوير الصادرات المتنوعة كنموذج تنموي ناجح.
أما الدول الريعية النفطية، فإنها جميعاً تعاني من البطالة وإنعدام الإستقرار، والتخلف الإقتصادي أحياناً، كما تميل إلى الدكتاتورية.
تفقد الدولة الريعية القدرة على تأسيس نموذج تنموي ناجح، وتميل إلى الفساد وإنعدام الكفاءة في إدارة الإقتصاد أحادي الجانب المعتمد على ريع النفط والمتمثل برأسمالية الدولة. يستطيع الحاكم الإستمرار بالحكم من خلال أداتين تتوفران له من الريع الخارجي الذي وهبته له السماء وهما:
1- التوسيع في الأجهزة الأمنية والعسكرية (القمعية) لتشغيل الناس من جهة وقمع المعارضة من جهة أخرى.
2- شراء الذمم والولاءات بإعطاء المكرمات والإستجابة إلى التذمر الشعبي بزيادة الأجور والرواتب وتوسيع الهبات (تقاعد، مخصصات شهداء، معونات فقراء، هبات إلى شيوخ العشائر، وسياسيين، بل حتى المفصولين من الخدمة المدنية إلخ..).
وعندما يصل الحاكم الى هذه الدرجة من التسلط، ينزلق مع النموذج التنموي الفاشل إلى الدكتاتورية. وهي متلازمة لا تنكسر بسهولة: الدخل الريعي الخارجي الذي يغري الحاكم بأنه يملك المحكوم، ويمنع قيام نموذج تنموي ناجح، وإنعدام التنمية الإقتصادية والبشرية الذي يؤدي إلى توسيع الأجهزة القمعية. وتتحول الجيوش من الدفاع عن الوطن إلى أدوات قمعية داخلية وأحياناً إلى أدوات لخوض مغامرات خارجية مميتة. وهذا ما فعله الشاه بإيران، ويتكرر على يد الدولة القومية الوليدة في جمهورية إيران الإسلامية. وهذا ما فعله القذافي، وهذا كان طريق صدام حسين.
الدخل الأساس الشامل
من الناحية النظرية، يمكن تشخيص الأنماط التالية لتوزيع الثروة البترولية:
1- تحويل جميع واردات البترول (النفط والغاز) إلى كل المواطنين بالتساوي، ومن خلال مبدأ الدخل الأساسي الشامل (U.B.I).
2- توزيع نسبة متفاوتة من عوائد البترول على المواطنين مباشر’ ويخصص المبلغ المتبقي للحكومة الإتحادية والأقاليم والمحافظات.
3- تخصيص نسبة من الدخل لصندوق سيادي للإستثمار، وتوزع أرباح الصندوق على المواطنين بالتساوي.
4- تخصيص جميع الإيرادات للحكومة الإتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات كما يجري حاليا.
من الواضح أن النمط الرابع هو نمط فاشل يتسبب بكل مساوئ الدولة الريعية الدكتاتورية وفساد وإنعدام العدالة في التوزيع. أما النمط الثالث فهو نمط تأتي عوائده بالأمد الطويل ويتفاوت حسب صعود وهبوط عوائد الإستثمارات، كما حصل في آلاسكا إثر الأزمة المالية عندما هبط دخل الفرد السنوي من أكثر من أربعة آلاف دولار إلى حوالي ثمانمئة دولار. وفي السنوات الأولى يكون حجم صندوق الإستثمار صغيراً وعوائده محدودة.
يصعب في ظروف العراق وإقتصاده المعتمد كلياً على عوائد النفط أن تخصص جميع العوائد مباشرة الى المواطنين. فمدخولات الخزينة العامة من الموارد غير النفطية محدودة ولا يمكن الإعتماد عليها في المدى المنظور لتسيير أمور الحكومات المركزية والمحلية.
غير أن الدستور لا يمنع من فرض ضرائب إتحادية أو محلية على المواطنين وعلى دخلهم من عائدات النفط بالذات، بتشريعات مناسبة. ومن الممكن أن تفرض هذه التشريعات ضريبة بنسبة محددة بشكل دائم، أو أن تسمح التشريعات بوضع نسب تتغير في كل موازنة، ثم يعاد النظر فيها سنوياً حسب الحاجة، سواءً بالنسبة للحكومة الإتحادية أو حكومات الأقاليم والمحافظات.
إن تحويل كافة ريع النفط إلى الحكومة الإتحادية يجعل مناقشة الموازنة السنوية عبارة عن صراع بين المصالح المحلية والخاصة والمزايدات الشعبوية، لإضافة أعباء متزايدة على الموازنة مما يتسبب في تضخيمها وزيادة العجز فيها .
والصراع على تقسيم الريع لهذه الأسباب ظاهرة تتكرر في كل الدول الريعية، خاصة تلك الحافلة بمنابر للصراع، مثل مجلس النواب العراقي والمجلس التشريعي للإقليم ومجالس المحافظات.
ولو عكسنا المعادلة وجعلنا الدخل يوزع على المواطنين بالتساوي ومن ثم يصار إلى فرض ضريبة عليهم سينقلب الصراع الشعبوي إلى الحد من حجم الضريبة، ومحاسبة السلطات التنفيذية على الحد من التبذير والتقليص من الإنفاق. وهي حالة صحيحة وإنجاز كبير في التحول بالدولة الريعية الى دولة الجباية. إنه الخلاص الأعظم.
تتفاوت برامج الدخل الأساسي الشاملUniversal Basic Income) ) في طريقة تصميمها وشموليتها. ثمة من يرى أن المبالغ المدفوعة يجب أن تكون كافية لسد الإحتياجات الأساسية، بحيث يستغني من يستلمها عن الحاجة للعمل لتوفير العيش الكريم. وهناك من يدعو إلى شمول البالغين فقط. وبعض الآليات ترى أن الدفعات يجب أن تكون شهرية ومتساوية.
كما تتفاوت النظم في طريقة تمويلها، وإن كانت تحل محل خدمات حالية أو تمول بضرائب جديدة، بالإضافة إلى الخدمات والدعم المادي .وان كانت المجتمعات الغنية قادرة على تمويل مثل هذه البرامج، فإن المجتمعات الفقيرة يصعب عليها توفير المال اللازم لبرامج شاملة بالحد الأدنى الذي يعالج حالة الفقر المدقع.
الخلاص من الدولة الريعية، وما يلازمها من دكتاتورية وفساد وخراب إقتصادي، لا يتم إلا بقلب معادلة الريع والعقد الإجتماعي الذي بني عليها – أي قلب المعادلة من أساسها. العقد الإجتماعي للدول المنتجة ودول الجباية هو أن الحاكم يحكم بتفويض من الشعب، وأساسه أن المحكوم يوافق على دفع الضرائب شريطة أن يقوم الحاكم بتوفير الأمن والخدمات. أما العقد الإجتماعي في الدولة الريعية فمفاده أن الحاكم يملك البلاد والعباد، ويتفضل على المحكوم بما يجود به من رعاية ورشوات مقابل سكوت المحكوم على ممارسات المالك الحاكم. وإن احتج المحكوم فليس له سوى الحرمان والتهجير والسجن والقتل أحياناً.
إن قلب معادلة الريع لا يتطلب إلغاء موارد النفط والغاز، وإنما تحويلها إلى ثروة للشعب. فكما جاء في المادة (111) من دستور جمهورية العراق "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، أي أن الدخل الأساسي للفرد العراقي سنوياً يعادل مجموع إيرادات النفط والغاز مقسومة على كل سكان العراق، ومن ثم تفرض عليها ضريبة لخزينة الدولة.
ولم تنجح أي من التشريعات التي صدرت منذ اقرار الدستور في تنفيذ المادة (111) من الدستور رغم كثرة الدعوات لتوزيع جزء من عوائد النفط على المواطنين مباشرة.
شركة النفط الوطنية
كثرت المحاولات لإعادة إستقلالية شركة النفط الوطنية العراقية بعد أن الحقت بوزارة النفط عام 1987. وكانت أول محاولة بهذا الإتجاة هو في عام 2004 إبان الحكومة المؤقتة، وتأخر التشريع بسبب الخلاف في حينة حول درجة إستقلال الشركة عن وزارة النفط.
وجرت المحاولة الجدية الثانية عام 2012 من قبل لجنة النفط والطاقة، إلا أن مقترح القانون تأخر بسبب الخلاف حول قانون النفط والغاز، والذي لم يشرع لحد الآن.
عمل وزير النفط السابق عادل عبد المهدي على إعداد مشروع قانون الشركة مملوكة لكل الشعب العراقي بأسهم متساوية، وأن تكون الشركة مستقلة عن وزارة النفط. إلا أن هذا المشروع لم يصل إلى نهاياته بسبب استقالة وزير النفط.
وصل إلى مجلس النواب مشروع قانون مبني على إلغاء قرار مجلس قيادة الثورة الذي الحق الشركة بوزارة النفط والعودة إلى قانون تأسيسها رقم (123) لسنة 1967. وجاء هذا المشروع من مجلس الوزراء مقتضبا، رغم تقديم الوزارة مشروعاً أكثر تفصيلاً ويأخذ بنظر الإعتبار تطورات الصناعة النفطية ومتطلبات قطاع النفط المستقبلية.
قامت لجنة النفط والطاقة بالتعاون مع وزارة النفط بتطوير مشروع قانون شركة النفط الوطنية وتشريعه بالشكل الحالي الذي تم التصويت علية يوم 5/3/2018.
لم يدر كثيراً من الجدل حول مواد القانون بصيغته الحالية عند التصويت عليه في مجلس النواب سوى ما يتعلق بترصين المادة المتعلقة بجولات التراخيص، بإلزام الشركة "بمراجعة العقود المبرمة وتعديلها بما يضمن مصلحة الشعب العراقي" كما جرت محاولة من نواب البصرة لجعلها مقر مركز الشركة ولم توافق أكثرية أعضاء مجلس النواب على ذلك.
بعد صدور القانون علق الكثير من الخبراء على القانون.
كانت أكثر الإعتراضات تركزت على تفسير غير دقيق للمادة (13) ثالثاً، من القانون.
وتنص المادة (13) ثالثاً من قانون شركة النفط العراقية، على أن توزع أرباح الشركة لعدة جهات منها لخزينة الدولة حصة من أرباح الشركة لاتتجاوز 90% تفرض من خلال الموازنة الإتحادية.
وكان أحد المقترحات يسمح للخزينة أن تفرض ضريبة تصل إلى 100% من الأرباح. ولكن لجنة النفط والطاقة إرتأت أن لا يسمح لحصة خزينة الدولة أن تتجاوز 90% من الأرباح للسماح لفتح مجال للنوافذ التالية:
1- صندوق المواطن، وتوزع موجوداته على المواطنين المقيمين بالتساوي.
2- صندوق الاجيال، وهو صندوق سيادي أسوة بجميع الدول النفطية، وله أساس دستوري.
3- صندوق الإعمار، للمشاريع الإستراتيجية.
وفيما عدا الحساب الأول (صندوق المواطن) لم يتطرق القانون لطبيعة تلك الحسابات وكيفية إدارتها. وفي الغالب سيكون ذلك من خلال مجلس الوزراء أو بتشريعات خاصة.
إن أهم ما في القانون، عدا كونه يعيد إستقلالية الشركة، هو ما يتعلق بإحياء نص المادة (111) من الدستور، بما يسمح بتوزيع نسبة من أرباح الشركة على المواطنين المقيمين في العراق باسهم متساوية غير قابلة للبيع أو للشراء وتسقط عند الوفاة. ولا ينص القانون على أن هذه الأسهم هي أسهم ملكية بل حصص نقدية توزع بموجب نظام يعده مجلس إدارة الشركة.
ويحرم القانون المواطنين المقيمين في الأقاليم والمحافظات التي لا تودع عائدات النفط فيها من أرباح الشركة المشاركة في صندوق المواطن.
وقد يدفع هذا الإجراء المقيمين في الإقليم إلى الضغط على حكومة الإقليم لتسليم عوائد النفط إلى المركز للمشاركة في حساب المواطن إذا كانت المبالغ الموزعة بموجبه تستحق الإهتمام.
فما هي المبالغ التي قد تودع في صندوق المواطن؟
إذا نجحت السلطة التنفيذية في الإستحواذ على جميع حصتها المسموح بها - (اي 90%)، فإن الباقي لا يشكل مبلغاً ذي منفعة واضحة للمواطن. غير أن المتوقع أن ينقلب الصراع في مجلس النواب عند مناقشة موازنة عام 2019 لزيادة حصة صندوق المواطن. وهذا هو بيت القصيد من قلب موازين الدولة الريعية إلى دولة الجباية. فالمواطن سوف يضغط على تقليص ما يجبى من حصته لصالح خزينة الحكومة.
وبحساب بسيط، يمكن زيادة أرباح الشركة من خلال بيع النفط الخام للمصافي المحلية بالسعر العالمي مع خصم مبلغ بسيط يمكن الإعتماد فيه على قانون الإستثمار في المصافي لعام 2006 وتعديلاته بدلاً من تسليمه مجاناً كما هو الحال الآن. وهذا يضيف حوالي عشرة ترليونات دينار بالأسعار الحالية إلى أرباح الشركة، وبذلك يتم تعويم أسعار المنتجات النفطية التي لا يستفيد منها الفقير.
كما أن من الضروري إحالة الكهرباء إلى التمويل الذاتي من خلال الجباية الشاملة. ويضاف إلى ذلك تخصيصات البطاقة التموينية التي يشوبها الفساد.
وعلى هذا الأساس بالإمكان خفض حصة الخزينة إلى حوالي 70% من أرباح الشركة، دون المساس بحصة الرواتب وبعض الإلتزامات السيادية.
وبالإمكان من خلال زيادة الإنتاج أن تكون حصة المواطن الشهرية حوالي 50 ألف دينار وللعائلة مايقارب 250 ألف، دينار وهو فوق خط الفقر.
إن أرباح الشركة تزيد بزيادة الإنتاج، وتخفيض التكاليف. فالحسابات التي أسهم في جدولتها بعض الباحثين، لم تنتبه إلى أن حصة صندوق المواطن ستكون رهن الصراع بين إرادة المواطن في تقليص الضريبة على حصتة وبين رغبة السلطة التنفيذية في الإستحواذ على كل الريع النفطي. وهنا يكمن الإنجاز غير المسبوق في الدول الريعية، بتحويل دولة الريع إلى دولة الجباية وتفعيل المادة (111) من الدستور. وبقدر ما يحرص المواطن على تعظيم حصته، تتحول الدولة الريعية إلى دولة يستند العقد الإجتماعي فيها إلى قبول المواطن بالتنازل عن جزء من حصته إذا أوفت الدولة بتوفير الخدمات والأمان.
كما إعترض العديد من الخبراء على أن عائدات النفط تذهب إلى الشركة ومن ثم تفرض عليها ضريبة بموجب الموازنة. وإعتبروا أن ذلك يخالف المادة (111) من الدستور بإعتبار أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي وليس للشركة.
أولاً: إن الشركة مملوكة للدولة بالكامل، وحالياً يمثل مجلس الوزراء ملكية الشعب، وبعد تطبيق القانون تصبح الشركة تمثل الشعب، وهي تابعة لمجلس الوزراء على كل حال. إن البنك المركزي العراقي يمثل الشعب في إدارة النقد، ويحتفظ بإحتياطي الشعب ويديره بدون رقابة مباشرة، وهو مرتبط بمجلس النواب. وليس في ذلك إخلال بالدستور.
ثانياً: حتى لو كانت الشركة ليست مملوكة للشعب، فمنذ منتصف القرن الماضي إستقر مفهوم السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية (permanent sovereignty over natural resources) بموجب قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في لاهاي. فإن خزين النفط في باطن الأرض هو ملك لتلك الدولة ضمن سيادتها على حدودها الدولية.
وعقود المشاركة في الإنتاج (P.S.C.) لا تنقص من السيادة الدائمة للشعب والدولة، رغم أن الشركات المستثمرة تسجل في موازناتها حصتها من العائدات المرتقبة من الإنتاج المستقبلي.
أثار البعض إشكالاً في إرتباط الشركة بمجلس الوزراء وهذا موضع خلاف. إذ أن معظم الخبراء يرون ضرورة الفصل بين المشغلين (الشركات، وطنية كانت أم أجنبية) وبين ممثل سيادة الدولة والمسؤول عن تنظيم قطاع النفط والغاز (وزارة النفط).
لا يمكن القول أن أي قانون وضعي هو كامل بالمطلق. فكثير مما أثير حول القانون من قبل أشخاص لهم وزنهم ولا يمكن أن تكون كل أرائهم خاطئة. لقد إجتهد مشرعوا قانون شركة النفط الوطنية ولهم الشكر الجزيل على إجتهادهم في تشريع أهم قانون لإعادة تنظيم أهم قطاع في الاقتصاد العراقي. فكما عدل قانون شركة النفط الوطنية رقم (123) لعام 1967 خمس مرات قبل أن تلحق الشركة بوزارة النفط عام 1987، فبالإمكان تعديل القانون الحالي على ضوء التطبيق العملي.