السياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الاوسط وشمال افريقيا / 2014

السياسة الخارجية لأي بلد تتأثر بمصالحه الوطنية العليا بالاضافة الى العوامل الداخلية. ومن العوامل الداخلية متغيرات الاحزاب والقادة.

وتتأثر السياسة الخارجية الامريكية دوماً بالعوامل الداخلية اكثر مما تتأثر بالمصالح الوطنية العليا الخارجية. ولذا فان اللوبي اليهودي (IPAC) كان دوماً اكثر تأثيراً في السياسة الخارجية الامريكية من امن دولة اسرائيل نفسها او الاهتمام بمنابع النفط في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

وبعد انهيار جيوش العراق وسوريا وانشغال الجيش المصري بالعوامل الداخلية, اصبح امن اسرائيل لا يحتاج الى تواجد امريكي في المنطقة, بل هو من وجهة نظر امريكا وعلى لسان وزير دفاعها شك هيغل يتمثل في "ضمان التفوق العسكري الاسرائيلي", وهذا امر لا يحتاج الى تواجد عسكري في المنطقة بل يتطلب نقل تقنيات ودعم مالي.

وبعد غياب الاتحاد السوفيتي, كانت المصالح الوطنية العليا لامريكا تتعلق بتأمين مصادر الطاقة في الخليج العربي وشمال وغرب افريقيا وحوض بحر قزوين. واهتمام امريكا بمنابع النفط كانت وراء تدخل امريكا في الانقلاب على حكومة مصدق بايران بعد تأميم النفط عام 1951, وحرب السويس عام 1956, واحتلال افغانستان والعراق.

وبعد ثورة الغاز والنفط في امريكا خلال العقد الحالي, لم يعد تأمين منابع النفط من اهتمامات امريكا الخارجية أو من مصالحها الوطنية العليا.

اذاً ما هي "المصلحة الوطنية العليا" التي تحرك السياسة الخارجية الامريكية حالياً ؟

لا شك ان امريكا تهتم بأمنها الداخلي وتتابع العوامل المؤثرة عليه من الخارج وخاصة ظاهرة الارهاب الدولي المتمثل بالقاعدة واشباهها.

من المتوقع ان تكون السياسة الخارجية الامريكية بهذا الصدد تهتم بالعوامل التالية :

1- الحد من الاهداف الامريكية التي يبحث عنها الارهاب الدولي في الخارج. وهذا يعني التقليل من القواعد الامريكية في الخارج أوالتواجد الواسع للقوات الامريكية على الارض.

2- حماية حدود الولايات المتحدة الامريكية من الاختراق الى الداخل, وذلك بمزيد من تجفيف منابع تمويل الارهاب, والتعاون المعلوماتي الدولي, ومراقبة الاتصالات في العالم الخارجي.

3- الابتعاد عن التقاطع مع قادة المنظمات الارهابية والتعايش مع الاسلام السياسي السني والشيعي في الخارج, وتقليل الدعم الظاهري لاسرائيل.

ولا شك ان امريكا (وهي قارة تكاد تكون مكتفية ذاتياً) ستستمر بالاهتمام بالتجارة العالمية وحريتها وأمن ممراتها. وهذا يتم بطرق مختلفة تماماٍ عن احتياجات تأمين مصادر النفط التي تتطلب التواجد العسكري على الارض. وصادرات امريكا من النوع التقني والافتراضي (Software and Virtual Trade),وهذا يتم بالسيطرة عن بعد وعبر التقنيات الحديثة ولا يتطلب التدخلات المسلحة على الارض.

لذا, فأن السياسة الخارجية الامريكية, وبغض النظر عن الحزب الحاكم والرئيس المنتخب,سوف تعتمد الابتعاد عن التدخل(Disingagment) والتعاون الدبلوماسي بالقوة اللينة (SoftPower). وهذا ما شاهدناه في ابتعاد الولايات المتحدة عن التدخل المباشر في ليبيا, واقتصارها على الدعم اللوجستي رغم ان حلف الاطلسي كان يقود العمليات, والولايات المتحدة تشكل القوة الضاربة العظمى في الحلف. والاوضح من هذا كان في ابتعاد الولايات المتحدة عن اي نوع من التدخل في سوريا, الاّ في تنظيم نزع السلاح الكيماوي السوري, لارضاء اللوبي اليهودي الداخلي, بازالة خطر السلاح الكيماوي على اسرائيل.

وانسحبت الولايات المتحدة من العراق دون ترك قوة على الارض مع الاستمرار ببيع السلاح والتدريب عليه خارج العراق, في الولايات المتحدة نفسها او في الاردن. وسوف تنسحب الولايات المتحدة من افغانستان. وان كنا نقرأ الاسلوب الجديد للولايات المتحدة, فانها ستسلم افغانستان الى الطالبان دون بقاء قوات على الارض, كما تركت العراق للنفوذ الايراني. ويبقى هدفها الوحيد في ايران هو تحييد السلاح النووي الايراني لارضاء اللوبي اليهودي داخلياً.

ان سياسة الولايات المتحدة الجديدة هي ليست التحالف مع حلفاء جدد, بل ترك جميع التحالفات لتداعياتها الداخلية والاقليمية.

اعداد:مركز البحوث والدراسات العراقية (مبدع)