التلوث البيئي في العراق: كارثة تأخرت معالجتها / 2009

تصاعد التلوث البيئي في العراق منذ بداية السبعينيات في القرن الماضي، ولم يكن في العراق اهتمام يذكر بالبيئة ولا مؤسسات وقوانين لحماية البىئة. وبدأت مشاكل البيئة تأخذ شكلا خطيرا مع تصاعد العمليات العسكرية ضد الأكراد وزيادة الانشطة النفطية في السبعينيات. فالصناعة النفطية كانت تسعي لزيادة الانتاج بأي ثمن بحيث وصلت الطاقة الانتاجية قرابة الأربعة ملايين برميل يومياً في نهاية السبعينيات، وزادت طاقة التصفية الى حوالي سبعمائة ألف برميل يومياً. كل ذلك دون ضوابط رصينة للحماية من التلوث، كما ان العمليات العسكرية ضد الأكراد ترافقت مع زرع ملايين الألغام الأرضية. منذ دخول العراق في حرب مدمرة مع ايران فقدت الدولة قدرتها على معالجة المشاكل البيئية، بينما تفاقمت مصادر التلوث البيئي التي اضافت الحروب لها استعمال اليورانيوم المنضب من قبل الجيش الأميركي ضد الدروع العراقية عام 1991 واستمرار زراعة الألغام في الأهوار والجبال وتصنيع واستعمال الاسلحة الكيماوية وتدمير البنى التحتية في الصناعة النفطية والصناعات الكيماوية ومحطات الكهرباء مما أطلق التلوث على عناته من دون معالجة في كل المجالات وحتى اليوم.

مصادر التلوث:

أولاً: الصناعة النفطية

كان انتاج النفط، وصناعة النفط عموما في كل مراحلها، ولا يزال من مصادر التلوث المهمة في العراق. فالحرق العشوائي للنفط والغاز والمنتجات النفطية الفائضة او المتسربة أمر كان ولا يزال يلوث بيئة العراق والمنطقة والعالم. كما ان معظم البنزين المستعمل في السيارات لا يزال يحتوي على الرصاص ويحرق في سيارات قديمة تنفث عوادمها السمية دون ضوابط.

ثانياً: الحروب

رافقت حروب العراق الداخلية والخارجية موجات من زرع اعداد هائلة من الألغام قسم منها في مياه الأهوار، لتكون مصادر شبه دائمة للتلوث بعد تحلل المواد السمية فيها في المياه. وساهمت الحروب في زيادة التلوث الكيمياوي والاشعاعي، اضافة الى مصادر لأنواع اخرى من التلوث والأمراض التي لم تحدد بعد.

ثالثاً: النفايات

معظم مدن العراق ليس فيها مجاري، وتلك التي نفذت في بعض المدن مثل بغداد اصبحت متقادمة وتزيد من التلوث. كما ان النفايات الصلبة لا تعالج بشكل صحي في مواقع نظامية، وتساهم مع مياه الصرف الصحي بالتسرب الى المياه السطحية والجوفية وتزيد في تلوث الانهار التي تصب فيها دون معاجلة. معظم شبكات مياه الشرب في المدن متداخلة مع المجاري لأسباب عدة مما يساهم في تشكيل كارثة صحية متصاعدة، خاصة في نقل الامراض المعدية.

رابعاً: المياه

منذ بدأت تركيا وسوريا ببناء السدود في اعالي دجلة والفرات، اخذت مياه النهرين بالنقصان، وقدرتهما على غسل الملوثات تقل مع رمي مياه الصرف الصحي في الانهار مباشرة، زاد التلوث المائي من تسرب الملوثات من مواقع النفايات الصلبة والمعامل عن طريق المياه السطحية والجوفية الى الانهار مجددا. كما ان تنفيذ البزول الزراعية لسحب ملوحة التربة قد تم في المناطق الوسطى والجنوبية دون منافذ سالكة للبحر مما ركز الملوحة في اسفل النهرين وفي اراضي المناطق الجنوبية. واصبحت الملوحة في الجنوب وشط العرب، والبصرة خاصة، من مصادر التلوث المائي الخطيرة على الانسان والبيئة الزراعية. ينتقل الكثير من هذا التلوث من مختلف المصادر الى المسطحات المائية والانهار، ويتجمع باتجاه شط العرب والخليج العربي، واذا اضفنا التلوث القادم من ايران وشواطئ الخليج، يصبح الخليج العربي، ذو البيئة الشبه مغلقة، من اخطر مصادر التلوث في العالم، تتطلب معالجتها مجهودا دوليا وتعاونا اقليمياً بالاضافة الى المعالجات الوطنية.

خامساً: الأسمدة والمبيدات

لعدة عقود تستعمل الاسمدة والمبيدات الحشرية والنباتية في العراق بشكل غير مدروس. وتستعمل السموم الشديدة الخطورة في صيد الاسماك، وادت هذه العوامل الى كوارث صحية وبيئية، وانقرضت الكثير من الاحياء النادرة الى الابد، وكان تجفيف الاهوار كارثة بيئية، كما كان اعادة غمرها بشكل غير مدروس مسببا لمشاكل بيئية جديدة.

من نتائج التلوث البيئي والتدهور الايكولوجي

اولاً: الأمراض البشرية

زادت السرطانات بشكل وبائي في العراق. فقد لوحظ في بداية التسعينات صعود مفاجئ في سرطان الدم عند الاطفال في جنوب العراق (اليورانيوم) وانتشرت السرطانات المختلفة بشكل واسع في جميع انحاء العراق. وزادت التشوهات الخلقية في الولادات الحديثة، وزادت معدلات العقم عند البشر والحيوانات. كما ان هناك انواع جيدة غير معروفة من الامراض والأوبئة.

ثانيا: الانهيار الايكولوجي

انقرضت انواع كثيرة من الحيوانات والاحياء المائية، واختفت الاسماك بالكامل من مواقع معينة في المسطحات المائية، وهناك تقلبات ايكولوجية سببها تجفيف الاهوار واعادة غمرها. وحرق ابار الكويت عام 1991، واستعمال اليورانيوم وغيره في الاعتدة والحروب بما في ذلك الاسلحة الكيماوية. وكان للمبيدات تأثير ايكولوجي غير محسوب. فقد انتشرت انواع وبائية من الاعشاب (القصب في البزول والانهار، زهرة النيل في النهرين والشنبلان في القنوات الاروائية) مما كان وسيكون له اثار غير معلومة الى الآن على البيئة ومستقبلها.

المعالجات

- البيئة معولمة، وتحتاج الى معالجات عالمية.

- المسؤولية الاقليمية لتلوث شط العرب.

- الحاجة الى مساهمة دولية لمسح التلوث في العراق والخليج العربي، ووضع حلول مشتركة لهذه الكوارث البيئية.

- ضرورة اشتراك مجهود علمي عالمي للتوصل الى حلول عاجلة لايقاف التدهور البيئي ومن ثم الحد من اثاره السلبية على البشر والبيئة.

- توعية الشعب والمسؤولين بالمشاكل والحلول لضمان أوسع مساهمة واسرع السبل لحماية البيئة.