المدرسة النظامية
أسس هذه المدرسة نظام الملك الوزير السلجوقي عام 457هـ / 1067 م. وكان موقعها على نهر دجلة ببغداد بين باب الأزاج وباب الباسلية. ولقد أنفق نظام الملك على بنائها مائتي ألف دينار، وبنى حولها أسواقا تكون وقفًا عليها، وابتاع ضياعا وحمامات ومخازن ودكاكين أوقفها عليها. ولقد اتخذت المدرسة في بنائها شكلا رباعي الأضلاع، وهي على قاعات لها قباب، تحيط بصحن في وسطها، وفي الجانب المواجه لمكة المكرمة يوجد المصلى، وبه المنبر، وفي الأروقة الملحقة بالمبنى كانت توجد أماكن لنوم الدارسين. كما ألحق بها أيضا دورات مياه ومطبخ ومخازن، وحجرات الدراسة تحيط بصحن المدرسة وألحق بالمدرسة مكتبة. ولقد توالت الحروب على بغداد، فأهمل أمر النظامية حتى اندثرت في مطلع القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي، وصار موقعها محلة كبيرة من محلات بغداد، وبقي إيوان بابها حتى عام1332هـ / 1914 م. ويشغل سوق الخفافين حاليا المكان الذي كانت تقع فيه المدرسة آنذاك.
أهداف المدرسة
هدفت المدرسة النظامية منذ نشأتها الأولى لإزالة آثار الأفكار الشيعية التي خلفها البويهيون والفاطميون إبان حكمهم. ومن ثم كان التعليم الديني استنادا إلى المذهب السني، وحسب قانون الوقف نشر المذهب الشافعي. وكان نص الوقفية يؤكد على أن كل من يعمل بالمدرسة يجب أن يكون شافعيا.
طلبة المدرسة
كان عدد الطلاب في النظامية محدودا، إذ اعتاد الطلبة على ارتياد المساجد لتلقي علومهم الأساسية. وكان الطلبة يجلسون القرفصاء أثناء الدرس، مستخدمين الركبة كقمطر للكتابة والأوراق في اليد اليسرى، بينما في اليد اليمنى القلم. وكانت الدفاتر التي يدون فيها المعلومات تقوم مقام الكتاب المدرسي. وعن أمور معاشهم فقد وفرت لهم النظامية المسكن والمأكل في المدرسة، وكذلك كان ينالهم دائما نصيب من الأوقاف التي توقف على المدرسة، ولقد تخرج من النظامية عدد من العلماء الذين نالوا شهرة بعد ذلك منهم ابن عساكر، والعز ابن عبد السلام، وابن رافع الأسدي الذي درس بالنظامية ثم عين معيدا بها. وأبو علي ابن منصور الخطيبي المعروف بالأجل الذي أصبح مدرسا بها.
(مميز أساتذة المدرسة )
ضمت المدرسة النظامية مدرسون على ثلاث طبقات، هم المدرسون وكان لكل واحد منهم نائبان، ثم المعيدون الذين يعيدون الدرس، والوعاظ. وكان الأساتذة يعينون بها نظير مرتبات تدفع لهم، وبذلك كانت النظامية أول معهد علمي يتقاضى معلموه أجرا على تعليم العلوم. وكان لكل مدرس على الأقل مساعد، وإلى جانب أعضاء هيئة التدريس كان يوجد عدد من الكتبة والخدم، فضلا عن أمين المكتبة ومسجل وإمام لمصلى المدرسة. وكان المدرسون والمعيدون والوعاظ وأمناء المكتبة من أكابر علماء عهدهم، فمن العلماء الذين درسوا في النظامية الإمام قطب الدين الشيرازي وهو أول من درس فيها، والإمام الغزالي ودرس بها أربع سنوات ما بين عام 484هـ / 1095 م. إلى 488هـ / 1099 م. والإمام الجويني، وأبو نصر الصباغ، وأبو القاسم الدبوسي، وأبو سعيد النيسابوري، والسهروردي، وابن البرهان، وأبو يعقوب الهمداني، وابن الجوزي، وأبو الحسن علي بن محمد الطبري الشهير بإلكياهراسي. ومن المعيدين محمد السلماسي، وابن رافع الأسدي المعروف بابن شداد. وكان يميز علماء النظامية الزي الإسلامي الذي انفرد باللونين الأسود والأزرق، وكان مرتدي هذا الزي يحظون بقدر كبير من الاحترام من العامة.
مكتبو المدرسة
ألحق بمبنى المدرسة النظامية بناء خاص بالمكتبة عرف باسم دار الكتب أعطاها نظام الملك الوزير السلجوقي مؤسس المدرسة اهتماما خاصا، زودها بكل غريب ونادر وقد كتب هو بنفسه كتابا في الحديث أودعه عند زيارته الأولى لها عام 479هـ / 1087 م. ولقد كانت المدرسة ومكتبتها من الأشياء القليلة التي نجت من الخراب والدمار الذي اجتاح بغداد على يد المغول سنة 656هـ / 1258 هـ.
ولقد ضمت المكتبة أكثر من عشرة آلاف مجلد في موضوعات شتى إلا أنه غلب عليها الفقه والسنة واللغة والأدب وعلم الكلام. وقد شغل منصب أمين المكتبة فيها علماء لهم شأنهم وخطرهم كان من أوائلهم أبو يوسف الإسفراييني يعقوب بن سليمان بن داود. الذي كان فقيها أديبا شاعرا خطاطا. وعندما توفي جاء بعده الإبيوردي: أبو مظفر محمد بن أحمد، وهو أديب مشهور كان مكثرا من التصانيف والتأليف يتمتع بشخصية ذات همة عالية وله طموحات أوصلته إلى السلطان محمد بن ملكشاه، ملك خراسان ليصبح واحدا من رجال الدولة. وكان من بين أمناء المكتبة المشهورين أيضا الخطيب التبريزي أبو زكريا، يحيى بن علي بن محمد الشيباني، وقد كان أديبا له العديد من الكتب المهمة وكان إلى جانب أمانة المكتبة يدرس الأدب والفلسفة في المدرسة. وقد توفي عام 502هـ / 1109 م. وهو على رأس العمل. وقد كان أكرم الدين أبو سهيل آخر أمين لهذه المكتبة. وفي سنة 510هـ / 1117 م. نشب حريق في المدرسة وسرعان ما قام الطلاب بنقل كتب المكتبة حماية لها من النار التي التهمت مبنى المكتبة مما استوجب إعادة تشييده وإعاده ترتيب الكتب فيه على رفوف جديدة.
ومع مرور الوقت أصاب المكتبة تصدع وإهمال مما جعل الحاكم العباسي الرابع والثلاثين الناصر لدين الله يأمر بإعادة إعمارها ونقل إليها ألوفا من الكتب والمجلدات النفيسة سنة 589هـ / 1193 م. بل ويقال إنه بنى لها مبنى جديدا.
الإجازات العلمية
كان المتبع في المدرسة النظامية هو أن يتلقى الطالب العلم زمنا طويلا فإذا آنس في نفسه القدرة على التصدي للعلم أعلن ذلك بين زملائه وشيوخه فتعقد له حلقة من العلماء لمناقشته وإجازته. وكان الطالب يحصل على إجازة أو إجازات تجيز له رواية حديث أو تدريس كتاب أو الإفتاء من شيخه الذي تلقى عليه العلم.
المصدر