الروضة الحيدرية
الروضة الحيدرية أو ضريح الإمام علي أو حضرة علي هو مرقد ديني يقع في مدينة النجف في العراق حيث تقول مصادر عديدة - غالبيتها تعود للمؤرخين المسلمين الشيعة- أنه تم تشيّيده على قبر علي بن أبي طالب، رابع من تولّى خلافة المسلمين بعد النبي محمد، وأول أئمة الشيعة، تتبعه مكتبة الروضة الحيدرية التي تضم العديد من النفائس والمخطوطات الأثرية.
تاريخ
تقول القصة الشائعة عن اكتشاف مرقد الإمام علي بن ابي طالب، هو ان الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يصطاد الغزلان في هضبة النجف عندما شاهد قطيع غزلان يحتمي في ظل مرقد اسلامي، وقد رفضت كلاب الصيد المرافقة له الاقتراب من الغزلان في ذلك المكان. وعندما تحقق الرشيد من الموقع عرف انه مرقد الإمام علي، فأمر بالاهتمام به وزيارته. لكنه ليس أول من زاره، إذ كان يزوره الإمام جعفر الصادق وبعض آل البيت. ومنذ ذلك التاريخ عرف موقع مدفن الإمام علي في هضبة النجف.
بين ضريح الإمام علي ومقبرة وادي السلام علاقة تاريخية وطيدة، ذلك ان جسد الإمام علي هو أول من دفن في النجف بعد أن أوصى أبناءه واصحابه بدفنه في ظهر الكوفة التي كان علي في عهد خلافته يحكم الأمة الاسلامية منها، وهي ثاني حاضرة تُبنى في الاسلام خارج الجزيرة العربية بعد مدينة البصرة، وكان يطلق على النجف ظهر الكوفة. وأسباب وصيته بدفنه هناك تتعلق بعدم معرفة الخوارج او الأعداء مكان دفنه ثم ان تربة النجف جافة ولا تسمح بتعفن الجثث.
الصحن الحيدري
- يطلق على صحن مرقد الإمام علي اسم الصحن الحيدري الذي يعود تاريخه حسب حسين الشامي رئيس ديوان أوقاف الشيعة في العراق الى 700 عام، حيث «بناه الشيخ البهائي الذي عاصر اسماعيل الصفوي (أحد ملوك فارس)، ولم يهدم الصحن بصورة كاملة بل تعرض للتخريب جزئيا».
ويوضح الشامي الذي يشرف ديوانه على كل أملاك الشيعة في العراق من أضرحة ومساجد وحسينيات ومكتبات وعقارات، قائلا «ان مساحة الضريح الداخلية، أي التي تضم المرقد والمزار، تبلغ 5 آلاف متر مربع، بينما تبلغ المساحة الكلية للمرقد والصحن 15 ألف متر مربع، وهناك خطة سيتم تنفيذها قريبا لتوسيع الضريح بواقع 120 مترا مربعا من كل جانب لتبلغ المساحة الكلية 50 الف متر مربع، حيث سيبنى سور ثان من دون تهديم أي جزء في السور الاول الحالي وتسقيف المنطقة بين السورين ليفضي بعد ذلك الى مساحة مكشوفة».
عندما تتوجه الى مدينة النجف تلوح فجأة من عل بعد عدة كيلومترات القبة المذهبة للضريح حيث يبعث انعكاس شعاع الشمس على ذهب القبة لمعانا مبهرا، ثم ان الضريح يقوم فوق أعلى نقطة في هضبة النجف. وحسب الشامي، فان القبة كانت في السابق بيضاء اللون، مستشهدا باستهلال قصيدة للشاعر الحسن بن الحجاج الذي قال:
يا صاحب القبة البيضا على النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي وطليت القبة في تاريخ ما باللون الأزرق وهو القاشاني الكربلائي حتى تم تذهيبها بين نهاية العهد الصفوي وبداية العهد القاجاري. يقول رئيس ديوان اوقاف الشيعة «يتم تذهيب القبة كل 30 عاما ويحتاج ذلك الى 200 كيلوغرام من الذهب الخالص تركيز 24 قيراطا. وأفضل من يجيد عملية التذهيب هم جماعة البهرة في الهند حيث يقومون بعمليات معقدة لإسالة الذهب وفرشه بواسطة جلد الغزال قبل تلميعه، ونحن بصدد صيانة التذهيب بعد استقرار الأوضاع في مدينة النجف».
وأضافة الى القبة الكبيرة هناك منارتان; احداهما كبيرة والأخرى أقصر من الاولى بقليل مع ساعة نادرة وقديمة.
ويفضى الى الصحن الحيدري عبر خمسة أبواب، وهي: بابا القبلة وباب السوق الكبير وباب العمارة وباب الطوسي، وثمة باب صغير يسمى باب «العبايجية» نسبة الى سوق صناع العباءات المقابل لهذا الباب الذي يلاصق مسجد الخضراء، وهو مسجد المرجع الشيعي الراحل ابو القاسم الخوئي. ويذكر الشامي انه عندما تم تغيير باب السوق الكبير وتذهيبه، من غير ان يتذكر التاريخ، اقيم احتفال كبير ألقى فيه الشاعر الشيخ مهدي مطر قصيدة جاء في مطلعها:
لعلع بباب علي أيها الذهب واخطف بأبصار من سروا ومن غضبوا وقل للذي كان قد اقصاك عن يديه عذرا اذا جئت منك اليوم أقترب.
تتكون الحضرة الحيدرية معماريا من خمسة مداخل تفضي مباشرة الى صحن واسع ومكشوف تحيط به أواوين مزينة بالفسيفساء الملون والمزجج وتتوزع على طابقين. ويعود تاريخ تزجيج الاماكن المقدسة في الحضارة العراقية الى البابليين الذين زينوا بوابة عشتار وشارع الموكب بأشكال حيوانية أسطورية من السيراميك الأزرق المزجج والذي ما يزال قائما في متحف برلين.
وتتكون زخارف فسيفساء ضريح الإمام علي من وحدات نباتية. وفي هذا الصحن تفترش العوائل التي تأتي من كل انحاء العراق ومن خارجه الأرضَ لتبقى اطول فترة ممكنة حيث يتناولون غداءهم وعشاءهم هناك او في الغرف المحيطة لمن يحالفه الحظ، اذ ان اغلب هذه الاواوين مخصصة كمكاتب او غرف استراحة لخدم الصحن، كما يستفاد من هذا الصحن للصلاة.
وحتى بداية السبعينات، كان البعض يشتري قطعة صغيرة من ارض الصحن لاستخدامها مدفنا له ولعائلته لكن تم منع ذلك. ومن أشهر الشخصيات الشيعية المدفونة في الحضرة الحيدرية: ميرزا محمد الحسن الشيرازي، عبد الحسن شرف الدين، أبو الحسن، محسن الحكيم، أبو القاسم الخوئي ونجلاه محمد تقي وعبد المجيد، محمد باقر الصدر، ويعد عبد المجيد الخوئي الذي قتل العام الماضي آخر من دفن في مسجد الخضراء التابع للصحن الحيدري.
ويلحق بالصحن المكشوف المرقد المسقف بالمرايا والفضة، والمزخرفة جدرانه بالذهب والمينا الملونة، ويتوسط المرقد قبر الإمام علي الذي يلقي الزوار في شباكه بالدنانير أداء لنذور أو تبرعا، حيث يقدر الشامي قيمة هذه الدنانير بنصف مليار شهريا خلال المناسبات الدينية و100 مليون دينار شهريا خلال الأيام العادية. وهذه الاموال تخصص لخدم الضريح وللمسؤول عن المرقد (الكليدار) وللفقراء ولإعمار الضريح.
- كنوز الإمام علي تدور الأحاديث عن كنوز اهديت لضريح الإمام علي عبر التاريخ. ويؤكد رئيس ديوان الوقف الشيعي ذلك قائلا «هنا خزينة من الكونكريت المسلح مبنية في باطن الارض خصصت لخزن كنوز الإمام علي، وهي الهدايا التي تلقاها الضريح من الملوك والرؤساء والأعيان من جميع انحاء العالم وعبر التاريخ، اضافة الى النفائس الموجودة قرب قبر الإمام علي وفي متحف الضريح المغلق منذ فترة طويلة حرصا على هذه النفائس».
ويشير الشامي الى ان أكثر النفائس ندرة نسخة نادرة من القرآن الكريم مخطوطة على الجلد بيد الإمام زين العابدين بن علي بن الحسين حفيد الإمام علي، وهذه النسخة لا تقدر بثمن، وهناك تيجان وسيوف لملوك وقطع سجاد ايرانية نادرة وهدايا صفوية وقاجارية». ويضيف الشامي «كان متحف الحضرة مهملا لهذا تم الاحتفاظ بالنفائس في القبة الموجودة في مكان ما من الصحن وتحت الأرض، اذ سنقوم بعرض هذه النفائس في متحف متطور». ويكشف الشامي عن قيام أركان النظام السابق بسرقة بعض هذه النفائس «وفي مقدمتهم عدي، نجل صدام حسين، إذ تجرأ وسرق سجادا ايرانيا نادرا وثريات وأبوابا مذهبة وتم نقل بعض هذه الكنوز الى خارج العراق لبيعها وقد تمكنا من رصد بعضها والمطالبة باعادتها»، مشيرا الى ان هناك مكتبة ضخمة من المخطوطات النادرة كانت على وشك ان تُحرق عام 1991 من قبل أنصار النظام السابق لكن اهالي النجف نقلوها واحتفظوا بها، وبعض هذه المخطوطات نقلت على اسطوانات ليزرية مدمجة (سي دي) لدراستها وتحقيقها».
أكبر مقبرة في العالم
عندما طعن الإمام علي في 19 رمضان سنة 40 للهجرة، أوصى قبل موته بدفنه في ظهر الكوفة، وهي هضبة النجف التي كان يقال عنها «الكتف العالية التي تتكأ عليها الكوفة». وبعد ثلاثة أيام عن موته، دفن في المكان الذي اوصى به. حدث ذلك قبل ما يقرب من 1300 سنة ميلادية و1385 سنة هجرية، «وبذلك يكون قبر الإمام علي هو الاول في النجف ثم استمر المسلمون الشيعة من جميع أنحاء العالم في دفن موتاهم في هذه المقبرة تقربا من أمير المؤمنين»، وبذلك تكون هذه المقبرة واحدة من أقدم المقابر في تاريخ الإسلام، حسبما يروي الشامي.
والمقبرة كانت تمتد من مرقد الإمام علي والمساحات المحيطة به قبل قيام مدينة النجف، وهذه المدينة معروف عنها انها اكبر مقبرة في العالم، حيث توجد القبور ايضا في سراديب البيوت، اذ ان هناك من كان يفضل دفنه او دفن أعزائه من ابناء عائلته في سرداب البيت، وهذا نظام الدفن في النجف، أي في أقبية وكل قبو يخصص لعائلة، وسعة القبو حسب حجم القبور التي فيه او التي ستحفر في جدرانه. ويتم شراء الارض مسبقا لحفر القبو او السرداب الذي يخصص كمقبرة للعائلة. وعندما تمشي في المدينة العتيقة في النجف، وخاصة الأحياء المحيطة بالضريح، فتأكد انك تمشي فوق القبور. النجف لم تكن قائمة قبل ان يُدفن بها الإمام علي، وعندما دفن فيها تحولت الى مقبرة، وبسبب وجود قبر الإمام صارت مدينة، اذ فضل المسلمون الشيعة العيش قرب المرقد ومن ثم قامت مدارس المذهب الجعفري وحوزة النجف العلمية والمكتبات والمساجد.
تسمى مقبرة النجف «وادي السلام» ولا أحد يستطيع ان يحدد مساحة هذه المقبرة او عدد المدفونين فيها لكثرتهم، اذ ان الشيعة يفضلون دفن موتاهم فيها ومن كل مكان في العالم.
ومن أشهر العوائل التي تتوارث العمل في مهنة الدفن في «وادي السلام» هم آل ابو أصيبع، وهؤلاء من أغنى العوائل النجفية بسبب هذه المهنة، وكذلك آل خاقاني والرفيعي، وهذه العوائل من الأسر النجفية العريقة.
ولم يشفع لسكان «وادي السلام» كونهم موتى من نيل حصتهم من الاضطهاد والمشاركة في الحروب. فقد اضطُهد الموتى في هذه المقبرة في عهد الرئيس السابق صدام حسين، ففي عام 1991 لجأ الى سراديبها المنتفضون وقامت المدفعية والصواريخ والهليكوبترات بقصف المقبرة لقتل من لجأ اليها او إجبارهم على الخروج، وقد نُبشت القبور وتناثرت عظام الراقدين فيها. وللسيطرة على مساحة المقبرة الكبيرة قام النظام السابق بشق الشوارع وإنشاء الساحات ووضع العلامات الضوئية فيها وكأنها حي سكني، لكن يسكنه الموتى.
ويقول الشامي: « تعرضت هذه المقبرة للقليل من التخريب في العهد العثماني وفي ظل الاستعمار البريطاني، لكن ما تتعرض له اليوم شيء كبير وخطير».