المئذنـة الملـويـــة

بناؤها

بأمر من الخليفة العباسي المتوكل ، تم في الفترة من 849 - 852 م ، بناء (المسجد الجامع) الشهير في الجزء الغربي من العاصمة الجديدة للخلافة العباسية (سامراء) ، هذا الجامع الذي درجت تسميته بالمسجد الكبير يُعد من اكبر مساجد العالم الاسلامي قاطبة ، اذ بلغت مساحته حوالي 45 ألف متر مربع ، وكان يتسع لحوالي 100 ألف مصلي وفيه سبعة عشر مدخلا .

لقد اُتقن بناءه واُحكم تشييده بالآجر والجص وازدان بالنقوش والمحاريب والاقواس والاعمدة ، اذ كانت تحمل سقفه الرئيسي حوالي 488 عمودا من الرخام ، ودعمت جدرانه الخارجية المتينة ابراج ضخمة نصف دائرية عددها 68 برجا ، ويبلغ ارتفاع جدران المسجد 10.5 مترا وسمكها 2 متر .

تصميمها وابعادها

المئذنـة الملـويـــة
وقد تميز هذا المسجد بمئذنته الفريدة ذات الشكل الحلزوني والتي بسببها اصبح واحدا من اشهر مساجد العالم واكثرها تميزا ، فالبناء المعروف اليوم باسم الملوية هو مئذنة (منارة) لهذا المسجد ، وسميت بالملوية بسبب شكلها الحلزوني الدائري.

تعتبر المئذنة الملوية في سامراء من اهم مآذن العالم الاسلامي واكثرها فرادة وتميزا من الناحية المعمارية والبنائية ، وهي تقع امام الحائط الشمالي من المسجد على بعد 27,25 مترا منه ، هذه المئذنة تقوم على قاعدة مربعة مؤلفة من طبقتين، الاولى طول ضلعها 31,30 متر ، وارتفاعها2,50 مترا ، والثانية مستطيلة بعض الشئ بأبعاد 30,60 x 30,40 مترا وارتفاعها 1,70 مترا ، فيكون ارتفاع القاعدة الكلي هو 4,20 مترا .

وتزين واجهات القاعدة محاريب مستطيلة (تجاويف اشبه بالنوافذ ، غائرة وغير نافذة) وتعلو هذه المحاريب عقود او اقواس مدببة ، اما عدد هذه المحاريب فهو تسعة في كل ضلع عدا الضلع الجنوبي اذ يحتوي ستة محاريب فقط بسبب وجود سلم الملوية في هذا الجانب .

اما القسم الحلزوني اي بدن الملوية فهو بناء مؤلف من خمس طبقات تتناقص مساحتها كلما ارتفع البناء ، ولكل طبقة ارتفاع معين ، فالطبقة الاولى السفلى يبلغ ارتفاعها 10,10 متر والثانية 8,12 متر والثالثة 8,83 متر والرابعة 8,10 متر ، والطبقة الاخيرة ارتفاعها 8,45 متر .

في قمة المئذنة يوجد قبة اسطوانية الشكل يبلغ قطرها ثلاثة امتار وارتفاعها 6,40 متر ، وهي مسقفة وفيها ثمانية ثقوب يعتقد انها كانت مواضع لثمانية اعمدة خشبية صممت لحمل سقيفة القبة . وهذه القمة او القبة يتم الارتقاء اليها بواسطة سلم شديد الانحدار مؤلف من 22 درجة (باية) ، حيث يرتقيها المؤذن ليرفع الآذان من قمة هذه المئذنة الملوية ليصل صوته الى ابعد نقطة ممكنة من المدينة .

بني سلم الملوية من الاجر بعرض 2,50 متر ، ويبدأ من وسط الجانب الجنوبي للمئذنة ويدور صاعدا الى الاعلى بعكس اتجاه عقرب الساعة ، وكلما ارتفع السلم ضاقت مساحته وازداد انحداره ، اذ يبلغ عرض السلم في قمة الملوية حوالي 1,90 متر . اما عدد درجات سلم الملوية فيبلغ 399 درجة . ويعتقد عالم الاثار (هرتسفيلد) ان السلم كان له سياج خشبي وذلك لوجود ثقوب على الجانب الخارجي منه لتثبيت قوائم ذلك السياج .

المئذنة الملوية بنيت بالآجر المشوي مادة البناء السائدة في بلاد الرافدين ، اما المادة الرابطة فهي الجص ، وقد بني المسجد الكبير بنفس هذه المواد ايضا .

يعتقد بعض الاثاريين ان طراز بناء الملوية مشتق من طراز بناء الزقورات العراقية من ناحية كونها مؤلفة من طبقات متعددة ترتفع فوق بعضها بمساحات تقل مع الارتفاع ، الا ان باحثين آخرين يعتبرون ان طراز وشكل الملوية هو بناء فريد ليس له نظير في جميع الابنية قديمها وحديثها .

وقد لايعلم البعض بوجود مئذنة ملوية اخرى في مدينة سامراء ليس بعيدا عن المئذنة الام ، الا ان تلك المئذنة اصغر حجما واقل ارتفاعا ، وهي مئذنة جامع ابي دلف الشهير الذي بناه الخليفة المتوكل ايضا ، ويعتبر من المساجد الكبيرة ايضا في العراق والعالم الاسلامي ، اذ تبلغ مساحته حوالي 12 دونما (حوالي 3700 متر مربع) ، والمئذنة الملوية لهذا المسجد يبلغ ارتفاعها حتى القمة المتهدمة نحو 19 مترا ، وفي حين ان الملوية الام تتألف من خمس طبقات فأن الملوية الصغرى تتألف من ثلاث طبقات فقط ، والسلم يدور صاعدا باتجاه معاكس لعقارب الساعة ايضا .

تُعتبر ملوية سامراء من اشهر الابنية على مستوى العالم بسبب هندستها وطرازها الفريد ، ويسميها بعض الغربيون - برج بابل – او انهم يتخيلون ان برج بابل الشهير كان على غرارها . وقد استوحى بعض المعماريين من شكل الملوية تصاميمهم ومبانيهم الحديثة في العالمين العربي والغربي .

المصدر