قلعة اربيل

تعد قلعة اربيل اقدم قلعة تاريخية سكنها البشر منذ اقدم الازمنة وحتى يومنا هذا، وقد بنيت اساسا، في عهد الأشوريين والى نحو الالف الأول قبل الميلاد، لأغراض دفاعية، إذ كانت تعد حصنا منيعا للمدينة المسماة باسمها في تلك الحقبة الزمنية وحتى عصور متأخرة. يقول بعض المؤرخين ان قلعة اربيل كانت في بادئ الامر وعند انشائها تضم المدينة بالكامل.

وذكرها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) فقال: اربيل هي قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض، أصبحت القلعة مقرا للامير الاتابكي سنة539هـ.

وسائل دفاع مصطنعة

يبلغ ارتفاع القلعة (415)م عن مستوى سطح البحر و(26)م عن سطح المدينة، بنيت على بقعة مساحتها مائة وعشرة الاف متر مربع وكان فيها اكثر من(800) عائلة اي مايقارب (4000)نسمة. ولقد تسبب بئر (كهريز) في القلعة في اجهاض حصار هولاكو المغولي لها. إذ تزود منه اهلها بالمياه أثناء الحصار وعن طريقه كانوا يخرجون منها ليعودوا بالمؤن إليها فكان لغزاً عجز هولاكو عن فهمه ما أدى إلى فك حصاره عنها والانسحاب منها. ولأن مدينة اربيل تقع على مفترق طرق مهمة لهذا كانت محط انظار الغزاة وقد توالت عليها الغزوات وخضعت للعديد من الامبراطوريات من اليونانية والمقدونية والفارسية والتركية وغيرها. لهذه الاسباب فكر اهالي المدينة منذ البدء بانشاء مدينتهم على تلة اصطناعية تحميهم من هذه الغزوات خاصة بعد افتقارهم لوسائل الدفاع الطبيعية من الانهار والجبال وبذلك انشئت قلعة اربيل على تل اصطناعي عال حيث احيطت القلعة بجدار مرتفع ومنيع مع حفر خندق ماء عميق حول القلعة في اسفلها وعمل سكانها على تامين الاكتفاء الذاتي لاحتياجاتهم اليومية عبر حفر بئر عميقة من سطح القلعة حتى منبع المياه في الاسفل كما امنوا الغذاء وبقية مستلزمات الحياة من مسجد وحمام ومدرسة وغيرها.

تعاقب الحضارات

تعاقبت الحضارات التاريخية القديمة على القلعة، باعتبارها مركزا للحكم ومدينة مأهولة بالسكان، منها الحضارات السومرية والأكدية والآشورية والفارسية، وهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد وجود آثار أخرى مطمورة تحتها. ويقع في مدخل القلعة الرئيس تمثال ابن المستوفي وهو مبارك بن احمد شرف الدين. كان مؤرخا ووزيرا في اربيل في حقبة السلطان مظفر الدين كوكبري ولد ابن المستوفي في سنة564 هجري الموافق لسنة1169 ميلادي في قلعة اربيل وتوفى فيها سنة637 هجري الموافق لسنة1239 ميلادي، وكان ضليعا في مجالات التاريخ والأدب واللغة وله نتاجات كثيرة أهمها كتابه (تاريخ أربيل) في اربعة اجزاء.

أثر عالمي

وقعت محافظة أربيل أواخر العام الماضي عقدا مع منظمة اليونيسكو بقيمة (13 )مليون دولار لتنفيذ مشروع تطوير القلعة، وقد شكلت المحافظة هيئة خاصة بهذا المشروع بالتعاون مع المنظمة، ويقضي المشروع بإعادة ترميم(10 )دور سكنية على البدن، فضلا عن بناء(40 )دارا أخرى داخل القلعة معظمها ستكون دورا تراثية، إلى جانب إيصال خدمات البنية التحتية لتلك الدور، أما في الخارج فهناك خطط لإنشاء منطقة خضراء حول القلعة (فري زون)، وتشمل الأحياء الشعبية القديمة مثل محلتي التعجيل والعرب وكذلك محلة خانقاه. وتتجه المخططات إلى إخلاء أطراف القلعة من البنايات الحاجبة لهذا الأثر العالمي، والعمل على إبرازه بالشكل المطلوب، وادرجت القلعة مؤخرا على القائمة المؤقتة لليونسكو وهو ما سيرشحها للدخول إلى اللائحة الدائمة وستعامَل كمعلم أثري عالمي، ما يسهل تنفيذ الكثير من مشاريع تطويرها وتحديثها.

تراث وحداثة المتجول حول القلعة لا بد ان تجذبه الأزقة الضيقة والمتشعبة المحيطة ببنائها. فتلك الأزقة تعد من أقدم الاسواق المسقفة في المدينة، وهي تعج بمختلف البضائع والسلع والحاجيات، لاسيما تلك التي لا توجد إلا في كردستان فقط كالكرزات بانواعها، وابرزها الجوز واللوز، ومشتقات الحليب واشهرها (لبن اربيل) و(جبن الاوشاري)، والحلويات الأكثر استهلاكا كالعسل و(من السما) (والحلقوم المحلي).

كما ينتشر حول القلعة الكثير من المحال المختصة ببيع نوادر المقتنيات كخواتم الفضة المرصعة بالاحجار الكريمة النادرة والساعات القديمة، ومسابح (اليسر، والكهرب، والباي زهر)، وكذلك المحال المختصة ببيع الأزياء الكردية التقليدية التي يقبل عليها السواح من كل مكان. علاوة على ذلك، يحيط القلعة الكثير من المتاجر المختصة ببيع الاجهزة الكهربائية والالكترونية الحديثة كالهواتف النقالة، ولعب الاطفال الالكترونية كـ(الاتاري) والـ(أكس بوكس)، تتخللها محال بيع الأزياء والساعات والعطور الحديثة. وغير بعيد عن كل هذا شارع المكتبات الذي يضم الكثير من الكتب القديمة والحديثة وبلغات عدة.

وليس ببعيد كذلك على الزائر الذهاب إلى احدى مقاهي اربيل العابقة باريج التاريخ والتراث، لا سيما مقهى (مجكو) التي تقع اسفل القلعة، وهي ملتقى الأدباء والفنانين والمثقفين، وكذلك مقهى (مام خليل) ومقهى (قرداران)، وهي مقاه أسست في اواسط خمسينات القرن الماضي. وتشهد مدينة اربيل حملة اعمار واسعة، إذ ستتغير معالمها لمن يزورها مستقبلاً. فهناك اسواق حديثة متعددة الطوابق (مولات) ترتفع هنا وهناك وشوارع ومجسرات جديدة. وهناك حدائق ونافوارات تنتشر في كل مكان تنعش القلب والنفس.

المصدر

انظر ايضا